إلى أرض الاسلام المدينة، فإن أرضي واسعة، فاصبروا على عبادتي، وأخلصوا طاعتي، فإنكم ميتون، وصائرون إلي، لان كل نفس حية ذائقة الموت، ثم إلينا بعد الموت تردون.
ثم أخبرهم جل ثناؤه عما أعد للصابرين منهم على طاعته، من كرامته عنده، فقال:
والذين آمنوا، يعني صدقوا الله ورسوله، فيما جاء به من عند الله، وعملوا الصالحات: يقول: وعملوا بما أمرهم الله فأطاعوه فيه، وانتهوا عما نهاهم عنه لنبوئنهم من الجنة غرفا يقول: لننزلنهم من الجنة علالي.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين:
لنبوئنهم بالباء وقرأته عامة قراء الكوفة بالثاء: لنثوينهم.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن قوله: لنبوئنهم من بوأته منزلا: أي أنزلته، وكذلك لنثوينهم إنما هو من أثويته مسكنا إذا أنزلته منزلا، من الثواء، وهو المقام.
وقوله: تجري من تحتها الأنهار يقول: تجرى من تحت أشجارها الأنهار.
خالدين فيها يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية نعم أجر العاملين يقول: نعم جزاء العاملين بطاعة الله هذه الغرف التي يثويهموها الله في جناته، تجري من تحتها الأنهار، الذين صبروا على أذى المشركين في الدنيا، وما كانوا يلقون منهم، وعلى العمل بطاعة الله وما يرضيه، وجهاد أعدائه وعلى ربهم يتوكلون في أرزاقهم وجهاد أعدائهم، فلا ينكلون عنهم ثقة منهم بأن الله معلي كلمته، وموهن كيد الكافرين، وأن ما قسم لهم من الرزق فلن يفوتهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) *.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، وبرسوله من أصحاب محمد (ص): هاجروا وجاهدوا في الله أيها المؤمنون أعداءه، ولا تخافوا عيلة ولا إقتارا، فكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء ومطعم ومشرب لا تحمل رزقها، يعني غذاءها لا تحمله، فترفعه في يومها لغدها