وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: عنى بقوله إلا الذين ظلموا منهم:
إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب.
فإن قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب، إلا من لم يؤد الجزية؟ قيل: إن جميعهم وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمدا (ص)، ظلمة، فإنه لم يعن بقوله إلا الذين ظلموا منهم ظلم أنفسهم. وإنما عنى به: إلا الذين ظلموا منهم أهل الايمان بالله ورسوله محمد (ص)، فإن أولئك جادلوهم بالقتال.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب، لان الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن، بقوله إلا الذين ظلموا منهم فمعلوم إذ كان قد أذن لهم في جدالهم، أن الذين لم يؤذن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن، لان المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحق، لأنه إذا جاء بغير الحق، فقد صار في معنى الظلمة في الذي خالف فيه الحق.
فإذ كان ذلك كذلك، تبين أن لا معنى لقول من قال: عنى بقوله ولا تجادلوا أهل الكتاب أهل الايمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الامر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل.
وقد بينا في غير موضع من كتابنا، أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.
وقوله: وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن ويجوز أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تعلموا أمرهم وحالهم في ذلك فقولوا لهم آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم مما في التوراة والإنجيل وإلهنا وإلهكم واحد يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد ونحن له مسلمون يقول: ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا ونهانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، جاء الأثر عن رسول الله (ص).
ذكر الرواية بذلك:
21185 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا علي، عن