ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما، قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله (ص): أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا من حلفاء الأوس، نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله (ص) فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا له:
يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله (ص) حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا. فلما بلغ رسول الله (ص) خبره، وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له. أما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله (ص)، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمر بحرس رسول الله (ص)، وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله (ص) وقال: لا أغدر بمحمد أبدا، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله (ص) بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب، فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا فذكر لرسول الله (ص) شأنه، فقال: ذاك رجل نجاه الله بوفائه. قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله (ص)، فأصبحت رمته ملقاة، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول الله (ص) تلك المقالة، فالله أعلم.
فلما أصبحوا، نزلوا على حكم رسول الله (ص)، فتواثبت الأوس، فقالوا:
يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول الله (ص) قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول، فوهبهم له فلما كلمته الأوس، قال رسول الله (ص): ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى،