وقد ورد نظير هذا المعنى في الآية (133) من سورة الأنعام إذ يقول:
وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء.
ثم أشار تعالى إلى جميع البحوث الواردة في هذه السورة والتي تشكل بمجموعها برنامجا متكاملا للحياة السعيدة، فيقول تعالى: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (1).
إن علينا إيضاح الطريق، لا اجباركم على اختيار الطريق، وعليكم تمييز الحق من الباطل بما لديكم من العقل والإدراك، واتخاذ القرار بإرادتكم واختياركم، وهذا في الحقيقة تأكيدا على ما جاء في صدر السورة في قوله: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا.
وقد يتوهم بعض السذج من العبارة أعلاه أنها تعني التفويض المطلق للعباد، فجاءت الآية التالية لتنفي هذا التصور وتضيف: وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما (2).
وهذا في الحقيقة إثبات لأصل مشهور هو (الأمر بين الأمرين)، إذ يقول من جهة: إنا هديناه السبيل فعليكم أن تختاروا ما تريدون، ويضيف من جهة أخرى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله أي ليس لكم لاستقلال الكامل، بل إن قدرتكم واستطاعتكم وحريتكم لا تخرج عن دائرة المشيئة الإلهية، وهو قادر على أن يسلب هذه القدرة والحرية متى شاء.
من هذا يتضح أنه لا جبر ولا تفويض في الأوامر، بل إنها حقيقة دقيقة وظريفة بين الأمرين، أو بعبارة أخرى: إنها نوع من الحرية المرتبطة بالمشيئة