والعجيب أنهم قاسوا روح النبي (صلى الله عليه وآله) العظيمة بهذا المقياس! ولم ينتبه هؤلاء الغافلين إلى اليوم الثقيل الذي ينتظرهم، ثقيل من حيث العقوبات، ثقيل من حيث المحاسبة، وثقيل من حيث طول الزمان وشدة الفضيحة.
وقد جاء التعبير ب (وراءهم) مع أن المفروض أن يقال (أمامهم) لأنهم نسوا ذلك اليوم، وكأنهم تركوه وراءهم، ولكن على قول بعض المفسرين أن كلمة (وراء) تستعمل أحيانا بمعنى " خلف " وأحيانا بمعنى " أمام " (1).
الآية التالية تحذرهم من الاغترار بقوتهم وقدرتهم، إذ أن الله الذي أعطاهم إياها قادر على أن يستردها بسرعة متى شاء، فيقول تعالى: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا (2).
(أسر) على وزن (عصر) وأصله الربط بالقيد، ولهذا سمي الأسير بهذا الاسم لربطه وشده، وهنا إشارة إلى استحكام خلقة الإنسان بحيث يقدر على مزاولة مختلف النشاطات والفعاليات المهمة.
هنا يشير القرآن إلى نقطة حساسة، وهي الأعصاب الصغيرة والكبيرة التي تشد العضلات فيما بينها كالحبال الحديدية وتربط بعضها بالبعض الآخر، وحتى المفاصل والعضلات المختلفة وقطع العظام الصغيرة والكبيرة وأعضاء الانسان بحيث يتكون من مجموع ذلك إنسان واحد مهيأ للقيام بأية فعالية، وعلى كل حال فهذه الجملة كناية عن القدرة والقوة.
وتوضح هذه الآية ضمنا استغناء ذات الله المقدسة، عنهم، وعن طاعتهم وإيمانهم، ليعلموا أن الاصرار على إيمانهم في الحقيقة هو من رحمة الله بهم.