المعاد، بل إن حبكم الشديد للدنيا والشهوات والميول المغرية هي التي تدفعكم إلى رفع الموانع عن طريق ملذاتكم، وبما أن المعاد والشريعة الإلهية توجد موانع وحدودا كثيرة على هذا الطريق، لذا تتمسكون بإنكار أصل الموضوع، وتتركون الآخرة بتمامها.
وكما ذكرنا سابقا أن إحدى العلل المهمة للميول إلى المادية وإنكار المبدأ والمعاد هو كسب الحرية المطلقة للانجراف وراء الشهوات واللذات والذنوب، ولا ينحصر هذا في العهود السابقة، بل يتجلى هذا المعنى في عالم اليوم بصورة أوضح.
وهاتان الآيتان تؤكدان ما ورد في الآيات السابقة والتي قال فيها تعالى شأنه: بل يريد الإنسان ليفجر أمامه وقال أيضا: يسأل أيان يوم القيامة.
ثم ينتهي إلى تبيان أحوال المؤمنين الصالحين والكفار المسيئين في ذلك اليوم، فيقول تعالى: وجوه يومئذ ناضرة.
" ناضرة ": من مادة (نضرة) وتعني البهجة الخاصة التي يحصل عليها الإنسان عند وفور النعمة والرفاه، ووفورها يلازم السرور والجمال والنورانية، أي أن لون محياهم تحكي عن أحوالهم، كيف أنهم أغرقوا في النعم الإلهية، وهذا شبيه لما جاء في الآية (24) من سورة المطففين: تعرف في وجوههم نضرة النعيم.
هذا من ناحية العطايا المادية، وأما عن العطايا الروحية فيقول تعالى: إلى ربها ناظرة نظرة بعين القلب وعن طريق شهود الباطن، نظرة تجذبهم إلى الذات الفريدة وإلى ذلك الكمال والجمال المطلقين، وتهبهم اللذة الروحانية والحال الذي لا يوصف، إذ أن لحظة منها أفضل من الدنيا وما فيها. والجدير بالذكر أن تقديم (إلى ربها) على (ناظرة) تفيد الحصر، أي ناظرة إلى الله فقط لا إلى غيره.