ويضيف في الآية الأخرى: إن لك في النهار سبحا طويلا.
أي إنك مشغول بهداية الخلق وإبلاغ الرسالة وحل المشاكل المتنوعة، ولا مجال لك بالتوجه التام إلى ربك والانقطاع إليه بالذكر، فعليك بالليل والعبادة فيه.
وهناك معنى أدق وتفسير يناسب الآيات السابقة أيضا هو: أنك تتحمل في النهار مشاغل ثقيلة ومساعي كثيرة، فعليك بعبادة الليل لتقوى بها روحك وتستعد للفعاليات والنشاطات الكثيرة في النهار.
" سبح ": على وزن مدح، وتعني في الأصل الحركة والذهاب والإياب، ويطلق على السباحة لما فيها من الحركة المستمرة، وكأنه يشبه المجتمع الإنساني بالمحيط اللامتناهي الذي يغرق فيه الكثير من الناس، وأمواجه المتلاطمة تتحرك في كل الجهات، وفيها من السفن المضطربة التي تبحث عن الملجأ الأمين، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المنجي الوحيد للغريق، وقرآنه سفينة النجاة الوحيدة في هذا المحيط، فعلى هذا السباح العظيم أن يهئ نفسه يوميا بالعبادة الليلة لإتمام هذه المهمة والرسالة العظيمة.
وبعد الإشارة إلى العبادة الليلية، والإشارة الإجمالية إلى آثارها العميقة يذكر القرآن بخمسة أوامر أخرى مكملة لتلك فيقول: واذكر اسم ربك.
والطبيعي أن المراد ليس ذكر الاسم فحسب، بل التوجه إلى المعنى، لأن الذكر اللفظي مقدمة للذكر القلبي، والذكر القلبي يبعث على صفاء القلب والروح ويروي منهل المعرفة والتقوى في القلب.
المراد ب " الرب " هو الإشارة إلى التوجه إلى النعم اللامتناهية وذلك عند الإتيان بذكره المقدس، وأن يكون ذكره ملازما مع التوجه إلى تربيته تعالى شأنه لنا، ويبين بعض المفسرين مراحل لذكر الرب تعالى.
المرحلة الأولى: ذكره تعالى كما أشير إلى ذلك.
المرحلة الثانية: الذكر القلبي لذاته المقدسة، كما هو في الآية (205) من