أي موجودا محدودا منعزل الذات عن الإحاطة بغيره من الموجودات صح للعقل أن يفرض مثله الثاني له سواء كان جائز التحقق في الخارج أو غير جائز التحقق، وصح عند العقل أن يتصف بالكثرة بالنظر إلى نفسه وإن فرض امتناعه في الواقع، وليس كذلك.
فهو تعالى واحد بمعنى أنه من الوجود بحيث لا يحد بحد حتى يمكن فرض ثان له فيما وراء ذلك الحد وهذا معنى قوله تعالى: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد " (سورة التوحيد) فإن لفظ أحد إنما يستعمل استعمالا يدفع إمكان فرض العدد في قباله يقال: " ما جاءني أحد " وينفى به أن يكون قد جاء الواحد وكذا الاثنان والأكثر وقال تعالى: " وأن أحد من المشركين استجارك " (التوبة: 6)، فشمل الواحد والاثنين والجماعة ولم يخرج عن حكمه عدد، وقال تعالى:
" أو جاء أحد منكم من الغائط " فشمل الواحد وما وراءه، ولم يشذ منه شاذ.
فاستعمال لفظ أحد في قوله: " هو الله أحد " في الاثبات من غير نفى ولا تقييد بإضافة أو وصف يفيد أن هويته تعالى بحيث يدفع فرض من يماثله في هويته بوجه سواء كان واحدا أو كثيرا فهو محال بحسب الفرض الصحيح مع قطع النظر عن حاله بحسب الخارج.
ولذلك وصفه تعالى اولا بأنه صمد، وهو المصمت الذي لا جوف له ولا مكان خاليا فيه، وثانيا بأنه لم يلد، وثالثا بأنه لم يولد، ورابعا بأنه لم يكن له كفوا أحد، وكل هذه الأوصاف مما يستلزم نوعا من المحدودية والانعزال.
وهذا هو السر في عدم وقوع توصيفات غيره تعالى عليه حق الوقوع والاتصاف قال تعالى: " سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين " (الصافات: 160)، وقال تعالى: " ولا يحيطون به علما " (طه: 110) فإن المعاني الكمالية التي نصفه تعالى بها أوصاف محدودة، وجلت ساحته سبحانه عن الحد والقيد، وهو الذي يرومه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كلمته المشهورة: " لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".
وهذا المعنى من الوحدة هو الذي يدفع به تثليث النصارى فإنهم موحدون في عين التثليث لكن الذي يذعنون به من الوحدة وحدة عددية لا تنفى الكثرة من جهة أخرى فهم يقولون: إن الأقانيم (الأب والابن والروح) (الذات والعلم والحياة) ثلاثة وهى واحدة كالانسان الحي العالم فهو شئ واحد لأنه إنسان حي عالم وهو ثلاثة لأنه إنسان وحياة وعلم.