كانوا يقدسونه ويحترمونه، وصديق العدو عدو، ثم ذمهم الله تعالى بقوله: " لبئس ما قدمت لهم أنفسهم " وهو ولاية الكفار عن هوى النفس، وكان جزاؤه ووباله " أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون "، ففي الآية وضع جزاء العمل وعاقبته موضع العمل كأن أنفسهم قدمت لهم جزاء العمل بتقديم نفس العمل.
قوله تعالى: " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون " أي ولو كان أهل الكتاب هؤلاء يؤمنون بالله والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزل إليه، أو نبي أنفسهم كموسى مثلا وما انزل إليه كالتوراة مثلا ما اتخذوا أولئك الكفار أولياء لأن الايمان يجب سائر الأسباب، ولكن كثيرا منهم فاسقون متمردون عن الايمان.
وفى الآية وجه آخر احتملوه، وهو أن يرجع ضمائر قوله: " كانوا " و " يؤمنون " و " هم " في قوله: " ما اتخذوهم " راجعة إلى الذين كفروا، والمعنى: ولو كان الذين كفروا أولئك الكفار الذين يتولاهم أهل الكتاب يؤمنون بالله والنبي والقرآن ما اتخذتهم أهل الكتاب أولياء، وإنما تولوهم لمكان كفرهم، وهذا وجه لا بأس به غير أن الاضراب في قوله: " ولكن أكثرهم فاسقون " لا يلائمه.
قوله تعالى: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا - إلى قوله - نصارى " لما بين سبحانه في الآيات السابقة الرذائل المشتركة بين أهل الكتاب عامة، وبعض ما يختص ببعضهم كقول اليهود: " يد الله مغلولة " وقول النصارى: " إن الله هو المسيح ابن مريم " ختم الآيات بما يختص به كل من الطائفتين إذا قيس حالهم من المؤمنين ودينهم، وأضاف إلى حالهم حال المشركين ليتم الكلام في وقع الاسلام من قلوب الأمم غير المسلمة من حيث قربهم وبعدهم من قبوله.
ويتم الكلام في أن النصارى أقرب تلك الأمم مودة للمسلمين واسمع لدعوتهم الحقة.
وإنما عدهم الله سبحانه أقرب مودة للمسلمين لما وقع من إيمان طائفة منهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليه قوله في الآية التالية: " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول " (الخ)، لكن لو كان إيمان طائفة تصحح هذه النسبة إلى جميعهم كان من الواجب أن تعد اليهود والمشركون كمثل النصارى وينسب إليهما نظير ما نسب إليهم لمكان إسلام طائفة من