قوله تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى " (الآية) ظاهرها أن الصابئون عطف على " الذين آمنوا " بحسب موضعه وجماعة من النحويين يمنعون العطف على اسم إن بالرفع قبل مضى الخبر، والآية حجة عليهم.
والآية في مقام بيان أن لا عبرة في باب السعادة بالأسماء والألقاب كتسمي جمع بالمؤمنين وفرقة بالذين هادوا، وطائفة بالصابئين وآخرين بالنصارى، وإنما العبرة بالايمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وقد تقدم البحث عن معنى الآية في تفسير سورة البقرة الآية إلى 62 في الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى: " لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا " (إلى آخر الآية) هذه الآية وما بعدها إلى عدة آيات تتعرض لحال أهل الكتاب كالحجة على ما يشتمل عليه قوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل " (إلخ)، فإن هذه الجرائم والاثام لا تدع للانسان اتصالا بربه حتى يقيم كتب الله معتمدا عليه.
ويحتمل أن تكون الآيات مرتبطة بقوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا " (الخ)، فيكون تصديقا بأن الأسماء والألقاب لا تنفع شيئا في مرحلة السعادة إذ لو نفعت لصدت هؤلاء عن قتل الأنبياء وتكذيبهم والهلاك بمهلكات الفتن وموبقات الذنوب.
ويمكن أن يكون هذه الآيات كالمبينة لقوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا " (الخ)، وهو كالمبين لقوله: " يا أهل الكتاب لستم علي شئ (الآية) والمعين ظاهر.
وقوله: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون الظاهر أن كلمتي فريقا في الموضعين مفعولان للفعلين بعد هما عليهما للعناية بأمرهما والتقدير: كذبوا فريقا ويقتلون فريقا والمجموع جواب له: ملن جاءهم (الخ) والمعنى نحو من قولنا: كلما جاءهم (الخ) والمعنى نحو من قولنا: كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم أساؤوا مواجهته واجابته وجعلوا الرسل الآتين فريقين: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون.
قال في الجميع: فان قيل: لم عطف المستقبل على الماضي يعني قوله: ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون: فجوابه: ليدل على أن ذلك من شانهم ففيه معنى كذبوا وقتلوا ويكذبون ويقتلون مع أن قوله: يقتلون فاصلة يجب ان يكون موافقا