وفى قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام: " فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " عناية بإبطال ما ينسبونه إلى المسيح من حديث التفدية، وأنه عليه السلام باختياره الصلب فدى بنفسه عنهم فهم مغفور لهم مرفوع عنهم التكاليف الإلهية ومصيرهم إلى الجنة ولا يمسون نارا كما تقدم نقل ذلك عنهم في تفسير سورة آل عمران في قصة عيسى عليه السلام فقصة التفدية والصلب إنما سيقت لهذا الغرض.
وما تحكيه الآية من قوله عليه السلام موجود في متفرقات الأبواب من الأناجيل كالأمر بالتوحيد، (1) وإبطال عبادة المشرك، (2) والحكم بخلود الظالمين في النار (3).
قوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " أي أحد الثلاثة: الأب والابن والروح، أي هو ينطبق على كل واحد من الثلاثة، وهذا لازم قولهم: إن الأب إله، والابن إله، والروح إله، وهو ثلاثة، وهو واحد يضاهئون بذلك نظير قولنا: إن زيد بن عمرو إنسان، فهناك أمور ثلاثة هي: زيد وابن عمرو والانسان، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت، وقد غفلوا عن أن هذه الكثرة إن كانت حقيقية غير اعتبارية أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة، وأن المنعوت إن كان واحدا حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة اعتبارية غير حقيقية فالجمع بين هذه الكثرة العددية والوحدة العددية في زيد المنعوت بحسب الحقيقة مما يستنكف العقل عن تعقله.
ولذا ربما ذكر بعض الدعاة من النصارى أن مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف التي لا تقبل الحل بحسب الموازين العلمية، ولم يتنبه أن عليه أن يطالب الدليل على كل دعوى يقرع سمعه سواء كان من دعاوى الأسلاف أو من دعاوى الاخلاف.
قوله تعالى: " وما من إله إلا إله واحد " (إلى آخر الآية) رد منه تعالى لقولهم: " إن الله ثالث ثلاثة " بأن الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية الكثرة بوجه من الوجوه فهو تعالى في ذاته واحد، وإذا اتصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد