المعارج هذه مكية] فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس وابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية على تلك الرواية، والجميع آحاد؟ سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده مضامين معظم آياته فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة مكية، والآيتان خاصة غير مكيتين كما أن سورتنا هذه أعني سورة المائدة مدينة نازلة في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وضعت فيها الآية المبحوث عنها أعني قوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " (الآية)، وهو كعدة من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة فإذا جاز وضع آية مكية (آية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) في سورة مدنية (المائدة) فليجز وضع آية مدنية (آية: سأل سائل) في سورة مكية (سورة المعارج).
وأما قوله: [وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش] إلى آخره، فهو في التحكم كسابقه، فهب إن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها كما وضعت آيات الربا وآية:
" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " (البقرة: 281)، وهى آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندهم في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة وقد نزلت قبلها ببضع سنين.
ثم قوله: [إن آية: " وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق، الآية " تذكير لما قالوه قبل الهجرة] تحكم آخر من غير حجة لو لم يكن سياق الآية حجة على خلافه فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني قوله: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " لاشتماله على قوله: " إن كان هذا هو الحق من عندك " بما فيه من اسم الإشارة وضمير الفصل والحق المحلى باللام وقوله: " من عندك " ليس كلام وثنى مشرك يستهزئ بالحق ويسخر منه، إنما هو كلام من أذعن بمقام الربوبية، ويرى أن الأمور الحقة تتعين من لدنه، وأن الشرائع مثلا تنزل من عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب إلى الله تعالى يدعى مدع أنه الحق لا غيره، وهو لا يتحمل ذلك ويتحرج منه فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.
وأما قوله: [وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد ولم