المتصف بهاتين الصفتين كثير منهم لا كلهم أولا، وإيماء إلى أن العمى والصمم المذكورين أولا شملا جميعهم على ما يدل عليه المقابلة ثانيا، وأن التوبة الإلهية لم يبطل أثرها ولم تذهب سدى بالمرة بل نجا بالتوبة بعضهم فلم يأخذهم العمى والصمم اللاحقان أخيرا ثالثا.
ثم ختم تعالى الآية بقوله: " والله بصير بما يعملون " للدلالة على أن الله تعالى لا يغفله شئ، فغيره تعالى إذا أكرم قوما بكرامة ضرب ذلك على بصره بحجاب يمنعه أن يرى منهم السوء والمكروه، وليس الله سبحانه على هذا النعت بل هو البصير لا يحجبه شئ عن شئ.
قوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم " وهذا كالبيان لكون النصارى لم تنفعهم النصرانية والانتساب إلى المسيح عليه السلام عن تعلق الكفر بهم إذ أشركوا بالله ولم يؤمنوا به حق إيمانه حيث قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم.
والنصارى وإن اختلفوا في كيفية اشتمال المسيح بن مريم على جوهرة الألوهية بين قائل باشتقاق أقنوم المسيح وهو العلم من أقنوم الرب (تعالى) وهو الحياة، وذلك الأبوة والبنوة، وقائل بأنه تعالى صار هو المسيح على نحو الانقلاب، وقائل بأنه حل فيه كما تقدم بيان ذلك تفصيلا في الكلام على عيسى بن مريم عليه السلام في تفسير سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب.
لكن الأقوال الثلاثة جميعا تقبل الانطباق على هذه الكلمة (إن الله هو المسيح ابن مريم) فالظاهر أن المراد بالذين تفوهوا بهذه الكلمة جميع النصارى الغالين في المسيح عليه السلام لا خصوص القائلين منهم بالانقلاب.
وتوصيف المسيح بابن مريم لا يخلو من دلالة أو إشعار بسبب كفرهم وهو نسبة الألوهية إلى انسان ابن انسان مخلوقين من تراب، وأين التراب ورب الأرباب؟!
قوله تعالى: " وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم " (إلى آخر الآية) احتجاج على كفرهم وبطلان قولهم بقول المسيح عليه السلام نفسه، فإن قوله عليه السلام:
" اعبدوا الله ربى وربكم " يدل على أنه عبد مربوب مثلهم، وقوله: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " يدل على أن من يجعل لله شريكا في الوهيته فهو مشرك كافر محرم عليه الجنة.