سواء السبيل " ظاهر السياق أن المراد بهؤلاء القوم الذين نهوا عن اتباع أهوائهم هم المتبوعون المطاعون في آرائهم وأوامرهم فيكون ضلالهم لمكان التزامهم بآرائهم، إضلالهم كثيرا هو اتباع غيرهم لهم وضلالهم عن سواء السبيل هو المتحصل لهم من ضلالهم وإضلالهم، وهو ضلال على ضلال.
وكذلك ظاهر السياق أن المراد بهم هم الوثنية وعبدة الأصنام فإن ظاهر السياق أن الخطاب إنما هو لجميع أهل الكتاب لا للمعاصرين منهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون نهيا لمتأخريهم عن اتباع متقدميهم.
ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى: " وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل " (التوبة: 30).
فيكون ذلك حقيقة تحليلية تاريخية أشار إليها القرآن الكريم هي أن القول بالأبوة والبنوة مما تسرب إلى أهل الكتاب من قبل من تقدمهم من الوثنية، وقد تقدم في الكلام على قصص المسيح عليه السلام في سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب أن هذا القول في جملة من الأقوال والاراء موجود عند الوثنية البرهمنية والبوذية في الهند والصين، وكذلك مصر القديم وغيرهم، وإنما أخذ بالتسرب في الملة الكتابية بيد دعاتها، فظهر في زي الدين وكان الاسم لدين التوحيد والمسمى للوثنية.
قو له تعالى: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم " إلى آخر الآيتين إخبار بأن الكافرين منهم ملعونون بلسان أنبيائهم، وفيه تعريض لهؤلاء الذين كفرهم الله في هذه الآيات من اليهود ملعونين بدعوة أنبيائهم أنفسهم، وذلك بسبب عصيانهم لأنبيائهم، وهم كانوا مستمرين على الاعتداء وقوله:
" كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه " (الخ) بيان لقوله: " وكانوا يعتدون ".
قوله تعالى: " ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا " (الخ)، وهذا من قبيل الاستشهاد بالحس على كونهم معتدين فإنهم لو قدروا دينهم حق قدره لزموه ولم يعتدوه، ولازم ذلك أن يتولوا أهل التوحيد ويتبرؤوا من الذين كفروا لان أعداء ما يقدسه قوم أعداء لذلك القوم، فإذا تحابوا وتوالوا دل ذلك على إعراض ذلك القوم وتركهم ما