وإذا أجرينا هذا المعنى في الأمور المعنوية كأفعال الانسان الروحية أو ما يتعلق من أفعال الجوارح بالأمور النفسية كان ذلك منتجا أن صدور مهام الافعال وعظائم الأعمال يتوقف على أس معنوى ومبنى قوى نفسي كتوقف جلائل الأمور على الصبر والثبات وعلو الهمة وقوة العزيمة وتوقف النجاح في العبودية على حق التقوى والورع عن محارم الله.
ومن هنا يظهر أن قوله تعالى: " لستم على شئ " كناية عن عدم اعتمادهم على شئ يثبت عليه أقدامهم فيقدروا بذلك على إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم تلويحا إلى أن دين الله وحكمه لها من الثقل ما لا يتيسر حمله للانسان حتى يعتمد على أساس ثابت ولا يمكنه إقامته بمجرد هوى من نفسه كما يشير تعالى إلى ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم بقوله: " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " (المزمل: 5)، وقوله: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " (الحشر: 21)، وقوله: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " الآية (الأحزاب: 72).
وقال في أمر التوراة خطابا لموسى عليه السلام: " فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها " (الأعراف: 145)، وقال خطابا لبني إسرائيل: " خذوا ما آتيناكم بقوة " (البقرة: 63) وقال خطابا ليحيى عليه السلام: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " (مريم: 12).
فيعود المعنى إلى أنكم فاقدوا العماد الذي يجب عليكم أن تعتمدوا عليه في إقامة دين الله الذي أنزله إليكم في كتبه وهو التقوى والإنابة إلى الله بالرجوع إليه مرة بعد أخرى والاتصال به والايواء إلى ركنه بل مستكبرون عن طاعته ومتعدون حدوده.
ويظهر هذا المعنى من قوله تعالى خطابا لنبيه والمؤمنين: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى " فجمع الدين كله فيما ذكره، ثم قال: " أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " فبين أن ذلك كله يرجع إلى إقامة الدين كلمة واحدة من غير تفرق ثم قال: " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " وذلك لكبر الاتفاق والاستقامة في اتباع الدين عليهم، ثم قال: " الله