ولو أنهم تفطنوا قليلا وتدبروا في أطراف الآيات المتعرضة لأمر الذنب والمعصية بالمعنى المصطلح عليه، وهى مخالفة الأمر والنهي المولويين تنبهوا إلى أن من المغفرة ما هو فوق المغفرة المعروفة.
فإن الله سبحانه يكرر في كلامه أن له عبادا يسميهم بالمخلصين مصونين عن المعصية لا مطمع فيهم للشيطان فلا ذنب - بالمعنى المعروف - لهم ولا حاجة إلى المغفرة المتعلقة بذلك الذنب، وقد نص في حق عدة من أنبيائه كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى أنهم مخلصون كقوله في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " (ص: 46) وقوله في يوسف: " إنه من عبادنا المخلصين " (يوسف: 24) وقوله في موسى: " إنه كان مخلصا " (مريم: 51) وقد حكى عنهم سؤال المغفرة كقول إبراهيم عليه السلام: " ربنا اغفر لي ولوالدي " (إبراهيم: 41) وقول موسى عليه السلام: " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك " (الأعراف: 151) ولو كانت المغفرة لا يتعلق إلا بالذنب بالمعنى المعروف لم يستقم ذلك.
نعم ربما قال القائل: إنهم عليه السلام يعدون أنفسهم مذنبين تواضعا لله سبحانه ولا ذنب لهم لكن ينبغي لهذا القائل أن يتنبه إلى أنهم عليهم السلام لم يخطأوا في نظرهم هذا، ولم يجازفوا في قولهم فلشمول المغفرة لهم معنى صحيح والمسألة جدية.
على أن في دعاء إبراهيم عليه السلام: " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " دعاء لكافة المؤمنين - وفيهم المخلصون - بالمغفرة، وكذا في دعاء نوح عليه السلام:
" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات " (نوح: 28) شمول بإطلاقه للمخلصين، ولا معنى لطلب المغفرة على من لا ذنب له يحتاج إلى المغفرة.
فهذا كله ينبهنا إلى أن من الذنب المتعلق به المغفرة ما هو غير الذنب بالمعنى المتعارف وكذا من المغفرة ما هي غير المغفرة بمعناها المتعارف، وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم قوله: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " (الشعراء: 82) ولعل هذا هو السبب فيما نشاهد أنه تعالى في موارد من كلامه إذا ذكر الرحمة أو الرحمة الأخروية التي هي الجنة قدم عليه ذكر المغفرة كقوله: " وقل رب اغفر وارحم " (المؤمنون: 118) وقوله: " واغفر لنا وارحمنا " (البقرة: 286) وقوله حكاية عن آدم وزوجته: " وإن