ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " (نوح: 28) وقول إبراهيم: " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " (إبراهيم: 41) وقول موسى لنفسه وأخيه: " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك " (الأعراف: 151) وما حكى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
" سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " (البقرة: 285).
فإن الأنبياء عليهم السلام مع عصمتهم لا يتأتى أن تصدر عنهم المعصية، ويقترفوا الذنب بمعنى مخالفة مادة من المواد الدينية التي هم المرسلون للدعوة إليها، والقائمون قولا وفعلا بالتبليغ لها، و المفترض طاعتهم من عند الله، ولا معنى لافتراض طاعة من لا يؤمن وقوع المعصية منه، تعالى الله عن ذلك.
وهكذا يحمل على هذا الباب ما حكى عن بعضهم عليهم السلام من الاعتراف بالظلم ونحوه كقول ذي النون: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " (الأنبياء: 87) إذ كما يجوز عدهم بعض الأعمال المباحة الصادرة عنهم ذنبا لأنفسهم وطلب المغفرة من الله سبحانه، كذلك يجوز عده ظلما من أنفسهم لان كل ذنب ظلم.
وقد مر أن هنالك محملا آخر وهو أن يكون المراد بالظلم هو الظلم على النفس كما في قول آدم وزوجته: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " (الأعراف: 23).
وإياك أن تتوهم أن معنى قولنا في آية: إن لها محملا كذا ومحملا كذا هو تسليم أن ذلك من خلاف ظاهر الكلام ثم الاجتهاد في اختلاف معنى يحمل عليه الكلام، وتطبق عليه الآيات القرآنية تحفظا على الآراء المذهبية، واضطرارا من قبل التعصب.
وقد تقدم البحث الحر في عصمة الأنبياء عليهم السلام بالتدبر في الآيات أنفسها من غير اعتماد على المقدمات الغريبة الأجنبية في الجزء الثاني من الكتاب.
وقد بينا هناك وفي غيره أن ظاهر الكلام لا يقتصر في تشخيصه على الفهم العامي المتعلق بنفس الجملة المبحوث عنها بل للقرائن المقامية والكلامية المتصلة والمنفصلة - كالاية المتعرضة لمعنى آية أخرى - تأثير قاطع في الظواهر، وخاصة في الكلام الإلهي الذي بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ويصدق بعضه بعضا.