والغفلة عن هذه النكتة هي التي أشاعت بين عدة من المفسرين وأهل الكلام إبداع التأويل بمعنى صرف الكلام إلى ما يخالف ظاهره، وارتكابه في الآيات المخالفة لمذهبهم الخاص على زعمهم، فتراهم يقطعون القرآن قطعا ثم يحملون كل قطعة منها على ما يفهمه العامي السوقي من كلام سوقي مثله فإذا سمعوه تعالى يقول: " فظن أن لن نقدر عليه " حملوه على أنه عليهم السلام - وحاشاه - زعم أو أيقن أن الله سبحانه يعجز عن أخذه مع أن ما في الآية التالية: " وكذلك ننجي المؤمنين " يعده من المؤمنين، ولا إيمان لمن شك في قدرة الله فضلا عن أن يرجح أو يقطع بعجزه.
وإذا سمعوه تعالى يقول: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر تفهموا منه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذنب فغفر الله له كما يذنب الواحد منا بمخالفة أمر أو نهى مولوى من الله تنعقد بهما مسألة فرعية فقهية.
ولم يهدهم التدبر حتى بمقدار أن يرجعوا إلى سابقة الآية: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " حتى ينجلى لهم أن هذا الذنب والمغفرة المتعلقة به لو كانا كالذنوب التي لنا والمغفرة التي تتعلق بها لم يكن وجه لتعليق المغفرة على فتح مكة تعليق الغاية على ذي الغاية وكذا لم يكن وجه لعطف ما عطف عليه أعني قوله: " ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا " (الفتح: 3).
وكذا إذا سمعوا سائر الآيات التي تشتمل على عثرات الأنبياء بزعمهم كالتي وردت في قصص آدم ونوح وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وداود وسليمان وأيوب ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم بادروا إلى الطعن في ساحة نزاهتهم، ولم ينقبضوا عن إساءة الأدب إليهم وهم أنفسهم أولى بما رموا ولا شين كسوء الأدب.
فساقهم سوء الحظ ورداءة النظر إلى أن أبدلوا ربهم رب العالمين برب تنعته التوراة والأناجيل المحرفة قوة غيبية متجسدة تدير رحى الوجود كما يدير جبار من جبابرة الانسان مملكته لأهم له إلا إشباع طاغية شهوته وغضبه فجهلوا مقام ربهم ثم سهوا عن مقام النبوة وعفوا مدارجهم العالية الشريفة الروحية ومقاماتهم السامية الحقيقية فعادت بذلك هاتيك النفوس الطاهرة المقدسة تماثل النفوس الرديئة الخسيسة التي ليس لها من شرف الانسانية إلا التسمي باسمها، تهلك من (1) هذا نفسه وتخون من ذاك عرضه،