لم تغفر لنا وترحمنا " (الأعراف: 23) وقوله عن نوح عليه السلام: " وإلا تغفر لي وترحمني " (هود: 47).
فتحصل من البيان السابق: أن للذنب مراتب مختلفة مترتبة طولا كما أن للمغفرة مراتب بحذائها، تتعلق كل مرتبة من المغفرة بما يحاذيها من الذنب، وليس من اللازم أن يكون كل ذنب وخطيئة متعلقا بأمر أو نهى مولوى فيعرفه ويتبينه الافهام العامية الساذجة، ولا أن يكون كل مغفرة متعلقة بهذا النوع من الذنب.
فالذي تبين لنا من مراتب الذنب والمغفرة بحسب البحث السابق العام مراتب أربع:
ولاها: الذنب المتعلق بالامر والنهى المولويين وهو المخالفة لحكم شرعي فرعى أو أصلى وإن عممت التعبير قلت: مخالفة مادة من المواد القانونية دينية كانت أو غير دينية، وتتعلق به مغفرة تحاذيه مرتبة.
والثانية: الذنب المتعلق بالحكم العقلي الخلقي والمغفرة المتعلقة به.
والثالثة: الذنب المتعلق بالحكم الأدبي ممن ظرف حياته ظرف الأدب والمغفرة المتعلقة به، وهذان القسمان ربما لم يعدا بحسب الفهم العامي من الذنوب والمغفرات، وربما حسبوهما منها مجازا، وليس من المجاز في شئ لما عرفت من ترتب الآثار الحقيقية عليهما.
والرابعة: الذنب الذي يحكم به ذوق الحب والمغفرة المتعلقة به، وفى ظرف البغض أيضا ما يشبههما، وهذا النوع لا يعده الفهم العامي من الأقسام، وقد أخطأوا في ذلك لا لجور منهم في الحكم والقضاء بل لقصور فهمهم عن تعقله وتبين معناه.
وربما قال القائل منهم: إنه من أوهام العشاق والمبرسمين أو تخيل شعري لا يتكئ على حقيقة عقلية، وقد غفل عن أن هذه التصورات على أنها أوهام وتخيلات في طريق الحياة الاجتماعية هي بعينها تعود حقائق - وأي حقائق - في طريق العبودية عن حب إلهي يذيب القلب ويوله اللب، ولا يدع للانسان شعورا يشعر بغير ربه، ولا إرادة يريد بها إلا ما يريده.
وحينئذ يلوح له أن التفاتة يسيرة منه إلى نفسه أو إلى مشتهاها من شئ ذنب عظيم وحجاب غليظ لا ترفعه إلا المغفرة الإلهية، وقد عد الله سبحانه الذنب حجابا للقلب