على ما سير به في صدر الاسلام وهؤلاء يحفظون الاستفادة منها حقا موقوفا على الدولة، وهذه مسألة أخرى غير مسألة أصل الاسترقاق لعلنا نوفق لاستقصاء البحث عنها فيما سيأتي إن شاء الله من الكلام في آيات الزكاة والخمس، والله المستعان.
وبعد ذلك كله نعود إلى كلمة صاحب معجم الاعلام المنقولة سابقا: " مبدأ إلغاء الرق هو تساوى البشر في الحقوق والواجبات " فما معنى تساوى البشر في الحقوق (الخ)، فإن أريد به تساويهم في استحقاق ما لهم من الحقوق الواجبة مراعاتها وإن كانت نفس تلك الحقوق مختلفة غير متساوية البتة كاختلاف الرئيس والمرؤوس والحاكم والمحكوم والامر والمأمور والمطيع للقانون والمتخلف عنه والعادل والظالم من جهة اختلافهم في الزنة الاجتماعية.
فهو كذلك لكنه لا يستلزم التسوية بين من هو جزء شريف نافع في المجتمع وبين من ليس في صلاحيته أن ينضم إلى المجتمع ولا كرامة، وإنما هو كالسم المهلك الذي أينما حل أبطل الحياة فإن من الحكم الفطري الصريح أن يفرق بينهما بإعطاء الحرية الكاملة للأول، وسلبها عن الثاني فلا حق للعدو على عدوه فيما يعاديه، ولا واجب للذئب في ذمة الغنم ولا للاسد على فريسته.
وإن أريد به أن الانسانية لما كانت مشتركة بين أفراد الانسان وكان في قوة الفرد من الانسان كائنا من كان أن يرقى في المدنية وينال من السعادة ما يناله الاخر كان من حق الانسانية على المجتمع الراقي أن يجود بالحرية على كل إنسان ويربيه حتى يلحق المجتمع الصالح.
فلذلك حق لكن ربما كان من شرائط التربية أن يسلب المربى حرية الإرادة والعمل حينا حتى تتم التربية، ويتبصر النفس المرباة في استعمال إرادتها، وتتنعم بنعمة حريتها كما يعالج المريض بما يسوؤه ويربى الصغير بما يتحرج منه، وهذا هو الذي يراه الاسلام من سلب حرية الإرادة والعمل عن الأمة الكافرة المحاربة، واجتلابهم إلى داخل المجتمع الديني، وتربيتهم فيها، وتخليصهم تدريجا إلى ساحة الحرية فإن السلوك سلوك اجتماعي ينبغي أن ينظر إليه وإلى نتيجته وأثره بنظر عام كلى، وليس بأمر فردي ينظر إليه بنظر فردي جزئي، ثم من العجب أن هؤلاء أيضا يجرون عملا بما جرت عليه السيرة الاسلامية وأن خالفوه في التسمية وحسن النية كما تقدم بيانه.