وقد تقدم الكلام في ذلك كله تفصيلا في أواخر سورة البقرة في الجزء الثاني من الكتاب، وفي أوائل سورة النساء في الجزء الرابع منه، وتبين هناك أن النساء مختصات في الاسلام من مزيد الارفاق بالنسبة إلى الرجال بما لا يوجد نحوه في سائر السنن الاجتماعية قديمها وحديثها.
قال تعالى: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " (النساء: 31) وقال تعالى: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " (البقرة: 234) وقال تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " (البقرة: 228) وقال: " أنى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " (آل عمران: 195) ثم جمع الجميع في بيان واحد فقال: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " (البقرة: 286) وقال: " ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى " (الانعام: 164) إلى غير ذلك من الآيات المطلقة التي تأخذ الفرد من الانسان جزء تاما كاملا من المجتمع، ويعطيه من الاستقلال الفردى ما ينفصل به عن أي فرد آخر في نتائج أعماله من خير أو شر أو نفع أو ضر من غير أن يستثنى صغيرا أو كبيرا أو ذكرا أو أنثى.
ثم سوى بينهم جميعا في العزة والكرامة ثم ألغى كل عزة وكرامة الا الكرامة الدينية المكتسبة بالتقوى والعمل فقال: " لله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (المنافقون: 8) وقال: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (الحجرات: 13).
وقد أبقى الاسلام السبب الثالث من الأسباب الثلاثة للاستعباد أعني الحرب، وهو أن يسبى الكافر المحارب لله ورسوله والمؤمنين، وأما اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض فلا سبى فيه ولا استعباد بل يقاتل الباغي من الطائفتين حتى ينقاد لأمر الله قال تعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " (الحجرات: 10).
وذلك إن العدو المحارب الذي لا هم له إلا أن يفنى الانسانية ويهلك الحرث والنسل لا ترتاب الفطرة الانسانية أدنى ريب في أنه يجب أن لا يعد جزء من المجتمع