وإن أريد به أن من حق الحرية الانسانية أن تطرد في الجميع ويخلى بين كل إنسان وإرادته المطلقة.
فمن الواضح الذي لا مرية فيه أن ذلك غير جائز التسليم ولا ميسور العمل على إطلاقه وخاصة في الخصم المحارب وهو المورد الوحيد الذي يعتنى به الاسلام في سلب إطلاق الحرية.
ثم لو كان هذا حقا لم يكن فيه فرق بين الواحد والاثنين وبين الجماعة فما بالهم يسلمون للواحد من الحرية القانونية حتى مثل " الانتحار " وللاثنين مثل " دئل " ولا يسلمون لطائفة مساكين من أبناء نوعهم أن ينعزلوا في ملجأ أو مغارات ويشتغلوا بأنفسهم ويأكلوا رزق ربهم ويسلكوا سبيل حياتهم؟.
بقى هنا شئ وهو أنه ربما قال القائل: ما بال الاسلام لم يشرع للرقيق تملك المال حتى يستعين به على حوائجه الضرورية من غير أن يكون كلا على مولاه؟ وما باله لم يحدد الرق بالاسلام حتى ينعتق العبد بالاسلام وينمحي عنه لوث المحرومية اللازمة له ولأعقابه إلى يوم القيامة.
لكن ينبغي أن يتنبه هذا القائل إلى أن الحكم باستقرار الرق والحرمان من تملك المال إنما ظهوره ووقوعه بحسب نظر التشريع في أول زمان الاستيلاء عليه وحكم الفطرة عليهم - وهم الأعداء المحاربون - بجواز سلب الحرية إنما هو لابطال كيدهم وسلب قوتهم على المقاومة لهدم الاجتماع الديني الصالح، ولا قوة ولا قدرة إلا بالملك فذا لم يملكوا عملا ولا نتاج عمل لم يقووا على المخاصمة والمحاربة.
نعم أجاز الاسلام لهم أن يتملكوا في الجملة بتمليك الموالى، وهذا ملك في طول ملك، وليس فيه محذور الاستقلال بالتصرف.
وأما تحديد رقهم بالايمان فهو أمر يبطل السياسة الدينية في حفظ بيضة الاسلام وإقامة المجتمع الديني على ساقة وبسط التربية الدينية على هؤلاء المحاربين المستعلى عليهم بالعدة والقوة، ولولا ذلك لدخلوا في ظاهر الدين بمجرد أن استقرت عليهم سيطرة الدين، وضربت عليهم بذلة العبودية فحفظوا بذلك عدتهم وقوتهم ثم عادوا لما نهوا عنه.