ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى " (النجم: 41).
وهذا فيما شرعه الله في أمر القصاص أظهر، قال تعالى: " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " (البقرة: 178) وقال: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله " (البقرة: 194).
ولازم هذه المماثلة والمسانخة أن يعود العقاب أو الثواب إلى نفس العامل بمثل ما عمل بمعنى أنه إذا عصى حكما اجتماعيا مثلا فإنما تمتع لنفسه بما يضر المجتمع أي بما يفسد تمتعا من تمتعات المجتمع فينقص من تمتعاته في نفسه ما يعادل ذلك من نفسه أو بدنه أو ماله أو جاهه أو نحو ذلك مما يعود بوجه إليه.
وهذا هو الذي أومأنا إليه في البحث عن معنى الاستعباد أن المجتمع أو من يلي أمره يملك من المجرم نفسه أو شأنا من شؤون نفسه يعادل الجرم الذي اجترمه ونقيصة الضرر الذي أوقعه على المجتمع فيعاقب بذلك أي يتصرف المجتمع أو ولى الامر استنادا إلى هذا الملك - وهو الحق - في حياة المجرم أو شأن من شؤون حياته، ويسلب حريته في ذلك.
فلو قتل نفسا مثلا بغير نفس أو فساد في الأرض في المجتمع الاسلامي ملك ولى الامر من المجرم نفسه حيث نقصهم نفسا محترمة، وحده الذي هو القتل تصرف في نفسه عن الملك الذي ملكه، ولو سرق ما يبلغ ربع دينار من حرز فقد أضر بالمجتمع بهتك ستر من أستار الامن العام الذي أسدلته يد الشريعة وحفظته يد الأمانة، وحدها الذي هو القطع ليس حقيقته إلا أن ولى الامر ملك من السارق بإزاء ما أتى به شأنا من شؤون حياته وهو الشأن الذي تشتمل عليه اليد فيتصرف فيه بسلب ما له من الحرية ووسيلتها من هذه الجهة، وقس على ذلك أنواع الجزاء في الشرائع والسنن المختلفة.
فيتبين من هنا ان الاجرام والمعصية الاجتماعية يستجلب نوعا من الرق والعبودية ولذلك كان العبد أظهر مصاديق المؤاخذة والعقاب قال تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك " (المائدة: 118).
ولهذا المعنى مظاهر متفرقة في سائر الشرائع والسنن المختلفة قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام إذ جعل السقاية في رحل أخيه ليأخذه إليه: " قالوا فما جزاؤه