العالي والهداية التامة ثم أحست بما يتعقبه من ذلتها واستكانتها في نفس ما كانت تتعزز وتتباهى به وهو العلم والكتاب.
لاجرم تستيقظ من رقدتها، وتطغى عاديتها، ويزيد طغيانها وكفرها.
فنسبة زيادة طغيانهم وكفرهم إلى القرآن إنما هي بعناية أن أنفسهم الباغية الحاسدة ثارت بالطغيان والكفر بمشاهدة نزول القرآن وإدراك ما يتضمنه من المعارف الحقة والدعوة الظاهرة.
على أن الله سبحانه ينسب الهداية والاضلال في كتابه إلى نفسه كثيرا كقوله:
" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا " (الاسراء: 20) وقال في خصوص القرآن: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " (الاسراء: 82)، والاضلال أو ما يشبهه إنما يعد مذموما إذا كان إضلالا ابتدائيا، وأما ما كان منه من قبيل الجزاء إثر فسق ومعصية من الضال يوجب نزول السخط الإلهي عليه ويستدعى حلول ما هو أشد مما هو فيه من الضلال فلا ضير في الاضلال بهذا المعنى ولا ذم يلحقه كما يشير إليه قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " (البقرة: 26)، وقوله: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " (الصف: 5).
وبالآخرة يعود معنى زيادة القرآن طغيانهم وكفرهم إلى سلب التوفيق وعدم تعلق العناية الإلهية بردهم مما هم فيه من الطغيان والكفر بآيات الله إلى التسليم والايمان بإجابة الدعوة الحقة، وقد تقدم البحث عن هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: " وما يضل به إلا الفاسقين " (البقرة: 26) في الجزء الأول من هذا الكتاب.
ولنرجع إلى أول الكلام فقوله: " وليزيدن كثيرا منهم " (الخ)، كأنه مسوق لرفع الاستبعاد والتعجب الناشئ من اجتراء هؤلاء المتسمين بأهل الكتاب، والمدعين أنهم أبناء الله وأحباؤه على ربهم بمثل هذه الكلمة المهينة المزرية: (يد الله مغلولة).
وإن من المحتوم اللازم لهم هذه الزيادة في الطغيان والكفر التي هذه الكلمة من آثارها وسيتلوها آثار بعد آثار مشوهة، وهذا هو المستفاد من التأكيد المدلول عليه بلام القسم ونون التأكيد في قوله: " ليزيدن ".
وفى تعقيب الطغيان بالكفر من غير عكس جرى على الترتيب الطبعي فإن