الكفر من آثار الطغيان وتبعاته.
قوله تعالى: " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ضمير بينهم راجع إلى اليهود على ما هو ظاهر وقوع الجملة في سياق الكلام على اليهود خاصة وإن كانت الآيات بدأت الكلام في أهل الكتاب عامة، وعلى هذا فالمراد بالعداوة والبغضاء بينهم ما يرجع إلى الاختلاف في المذاهب والاراء، وقد أشار الله سبحانه إليه في مواضع من كلامه كقوله: " ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة - إلى أن قال - فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " (الجاثية: 17) وغير ذلك من الآيات.
والعداوة كأن المراد بها البغض الذي يستصحب التعدي في العمل، والبغضاء هو مطلق ما في القلب من حالة النفار وإن لم يستعقب التعدي في العمل فيفيد اجتماعهما معنى البغض الذي يوجب الظلم على الغير والبغض الذي يقصر عنه.
وفى قوله تعالى: " إلى يوم القيامة " مالا يخفى من الدلالة على بقاء أمتهم إلى آخر الدنيا.
قوله تعالى: " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " إيقاد النار إشعالها، وإطفاؤها إخمادها، والمعنى واضح، ومن المحتمل أن يكون قوله: " كلما أوقدوا " (الخ) بيانا لقوله: " وألقينا بينهم العداوة " (الخ) فيعود المعنى إلى أنه كلما أثاروا حربا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين أطفأها الله بإلقاء الاختلاف بينهم.
والآية على ما يدل عليه السياق تسجل عليهم خيبة المسعى في إيقاد النيران التي يوقدونها على دين الله سبحانه، وعلى المسلمين بما أنهم مؤمنون بالله وآياته، وأما الحروب التي ربما أمكن أن يوقدوا نارها لا لأمر الدين الحق بل لسياسة أو تغلب جنسي أو ملى فهى خارجة عن مساق الآية.
قوله تعالى: " ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين " السعي هو السير السريع، وقوله: " فسادا " مفعول له أي يجتهدون لافساد الأرض، والله لا يحب المفسدين فلا يخليهم وأن ينالوا ما أرادوه من فساد الأرض فيخيب سعيهم، والله أعلم.