والقول في معارف الدين بما يوجب الكفر والفسوق على ما يشهد به ما في الآية التالية من قوله: " عن قولهم الاثم وأكلهم السحت ".
وعلى هذا فالأمور الثلاثة أعني الاثم والعدوان وأكل السحت تستوعب نماذج من فسوقهم في القول والفعل، فهم يقترفون الذنب في القول وهو الاثم القولي، والذنب في الفعل وهو إما فيما بينهم وبين المؤمنين وهو التعدي عليهم، وإما عند أنفسهم كأكلهم السحت وهو الربا والرشوة ونحو ذلك ثم ذم ذلك منهم بقوله: " لبئس ما كانوا يعملون " ثم أتبعه بتوبيخ الربانيين والاحبار في سكوتهم عنهم وعدم نهيهم عن ارتكاب هذه الموبقات من الآثام والمعاصي وهم عالمون بأنها معاص وذنوب فقال:
لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ".
وربما أمكن أن يستفاد من قوله: " عن قولهم الاثم وأكلهم السحت " عند تطبيقه على ما في الآية السابقة: " يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت " حيث ترك العدوان في الآية الثانية أن الاثم والعدوان شئ واحد، وهو تعدى حدود الله سبحانه قولا تجاه المعصية الفعلية التي أنموذجها أكلهم السحت. فيكون المراد بقوله: " يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت " إراءة سيئة قولية منهم وهى الاثم والعدوان وسيئة أخرى فعلية منهم وهى أكلهم السحت.
والمسارعة مبالغة في معنى السرعة وهى ضد البطئ، والفرق بين السرعة والعجلة على ما يستفاد من موارد استعمال الكلمتين أن السرعة أمس بعمل الأعضاء والعجلة بعمل القلب، نظير الفرق بين الخضوع والخشوع، والخوف والخشية، قال الراغب في المفردات: السرعة ضد البطئ، ويستعمل في الأجسام والافعال، يقال: سرع (بضم الراء) فهو سريع وأسرع فهو مسرع، وأسرعوا صارت إبلهم سراعا نحو أبلدوا، وسارعوا وتسارعوا، انتهى.
وربما قيل: إن المسارعة والعجلة بمعنى واحد غير أن المسارعة أكثر ما يستعمل في الخير، وأن استعمال المسارعة في المقام - وإن كان مقام الذم وكانت العجلة أدل على الذم منها - إنما هو للإشارة إلى أنهم يستعملونها كأنهم محقون فيها، انتهى ولا يخلو عن بعد.