الشريعتان لم تنسخا بشريعة أخرى، والإنجيل لم ينسخ شريعة التوراة إلا في أمور يسيرة.
على أن قوله تعالى: " وما أنزل إليهم من ربهم " يعدهم منزلا إليهم، وغير معهود من كلامه تعالى أن يذكر أن القرآن نزل إليهم.
فالظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم بعد التوراة والإنجيل سائر الكتب وأقسام الوحي المنزلة على أنبياء بني إسرائيل كزبور داود وغيره، والمراد بإقامة هذه الكتب حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، والاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدء والمعاد من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف والكتمان والترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
وأما قوله تعالى: " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " فالمراد بالاكل التنعم مطلقا سواء كان بالاكل كما في مورد الأغذية أو بغيره كما في غيره، واستعمال الاكل في مطلق التصرف والتنعم من غير مزاحم شائع في اللغة.
والمراد من فوقهم هو السماء، ومن تحت أرجلهم هو الأرض، فالجملة كناية عن تنعمهم بنعم السماء والأرض وإحاطة بركاتهما عليهم نظير ما وقع في قوله تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " (الأعراف: 96).
والآية من الدليل على أن لايمان هذا النوع أعني نوع الانسان وأعماله الصالحة تأثيرا في صلاح النظام الكونى من حيث ارتباطه بالنوع الانساني فلو صلح هذا النوع صلح نظام الدنيا من حيث إيفائه باللازم لحياة الانسان السعيدة من اندفاع النقم ووفور النعم.
ويدل على ذلك آيات أخرى كثيرة في القرآن بإطلاق لفظها كقوله تعالى: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين " (الروم: 42)، وقوله تعالى: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " (الشورى: 30) إلى غير ذلك، وقد تقدم بعض ما يتعلق به من الكلام في البحث عن أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
قوله تعالى: " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " الاقتصاد أخذ