وتعد أمورا من مساوى صفاتهم ونقضهم مواثيق الله وعهوده وما يلحق بها بما يناسب غرض السورة (الحث على حفظ العهود والمواثيق وذم نقضها).
وكأنها ذات سياق متصل واحد وإن كان من الجائز أن يكون لبعض أجزائها سبب مستقل من حيث النزول.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم " (الخ)، قال:
الراغب: الهزؤ مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح (انتهى)، وقال: ولعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا، يلعب لعبا، (انتهى)، وإنما يتخذ الشئ هزؤا ويستهزء به إذا اتخذ به على وصف لا يعتنى بأمره اعتناء جد لاظهار أنه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكذا الشئ يلعب به إذا كان مما لا يتخذ لواحد من الأغراض الصحيحة العقلائية إلا أن يتخذ لبعض الشؤون غير الحقيقية فالهزؤ بالدين واللعب به إنما هما لاظهار أنه لا يعدل إلا بعض الأغراض الباطلة غير الصحيحة وغير الجدية، ولو قدروه دينا حقا أو قدروا أن مشرعه والداعي إليه والمؤمنين به ذووا أقدام جد وصدق، واحترموا له ولهم مكانهم لما وضعوه ذاك الموضع فاتخاذهم الدين هزؤا ولعبا قضاء منهم بأن ليس له من الواقعية والمكانة الحقيقية شئ إلا أن يؤخذ به ليمزح به أو ليلعب به لعبا.
ومن هنا يظهر اولا: أن ذكر اتخاذهم الدين هزؤا ولعبا في وصف من نهى عن ولايتهم إنما هو للإشارة إلى علة النهى فإن الولاية التي من لوازمها الامتزاج الروحي والتصرف في الشؤون النفسية والاجتماعية لا يلائم استهزاء الولي ولعبة بما يقدسه وليه ويحترمه ويراه أعز من كل شئ حتى من نفسه فمن الواجب أن لا يتخذ من هذا شأنه وليا، ولا يلقى أزمة التصرف في الروح والجسم إليه.
وثانيا: ما في اتخاذ وصف الايمان في الخطاب في قوله: " يا أيها الذين آمنوا " من المناسبة لمقابلته بقوله: " الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا " وكذلك ما في إضافة الدين إليهم في قوله: " دينكم ".
وثالثا: أن قوله: " واتقوا الله إن كنتم مؤمنين بمنزلة التأكيد لقوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا " (الخ) بتكراره بلفظ أعم وأشمل فإن المؤمن وهو الاخذ بعروة الايمان لا معنى لان يرضى بالهزء واللعب بما آمن به فهؤلاء إن