وربما قيل: إن قوله: " وأن أكثركم فاسقون " بتقدير لام التعليل والمعنى:
هل تنقمون منا إلا لان أكثركم فاسقون؟.
وقوله: " ان آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل من قبل " في معنى ما انزل إلينا واليكم، ولم ينسبه إليهم تعريضا بهم كأنهم إذا لم يفوا بما عاهدوا الله عليه ولم يعملوا بما تأمرهم به كتبهم فكتبهم لم تنزل إليهم وليسوا بأهلها.
ومحصل المعنى: أنا لا نفرق بين كتاب وكتاب مما أنزله الله على رسله فلا نفرق بين رسله، وفيه تعريض لهم أنهم يفرقون بين رسل الله ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما كانوا يقولون: آمنوا بما أنزل على المؤمنين وجه النار واكفروا آخره، قال تعالى: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا " (النساء: 151).
قوله تعالى: " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنة الله " (إلى آخر الآية) ذكروا أن هذا أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطب أولئك المستهزئين اللاعبين بالدين على طريق التسليم أخذا بالنصفة في التكليم ليلزمهم أنهم إن نقموا من المؤمنين إيمانهم بالله وما أنزله على رسله فعليهم أن ينقموا أنفسهم لانهم شر مكانا وأضل عن سواء السبيل لابتلائهم باللعن الإلهي والمسخ بالقردة والخنازير وعبادة الطاغوت فإذا لم ينقموا أنفسهم على ما فيهم من أسباب النقمة فليس لهم أن ينقموا من لم يبتل إلا بما هو دونه في الشر، وهم المؤمنون في ايمانهم على تقدير تسليم أن يكون إيمانهم بالله وكتبه شرا، ولن يكون شرا.
فالمراد بالمثوبة مطلق الجزاء، ولعلها استعيرت للعاقبة والصفة اللازمة كما يستفاد من تقييد قوله: " بشر من ذلك مثوبة " بقوله: " عند الله " فإن الذي عند الله هو أمر ثابت غير متغير وقد حكم به الله وأمر به، قال تعالى: " وما عند الله باق " (النحل: 96)، وقال تعالى: " لا معقب لحكمه) (الرعد: 41)، فهذه المثوبة مثوبة لازمة لكونها عند الله سبحانه.
وفى الكلام شبه قلب، فإن مقتضى استواء الكلام أن يقال: إن اللعن والمسخ