تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٦ - الصفحة ٢٨٢
وارحمنا وأنت خير الراحمين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك " (الأعراف: 156).
يبتدئ الدعاء من قوله: " فاغفر لنا، الخ " غير أن الموقف لما كان موقفا صعبا قد أخذهم الغضب الإلهي والبطش الذي لا يقوم له شئ، وما مسألة المغفرة والرحمة من سيد ساخط قد هتكت حرمته وأهين على سؤدده كمسألة من هو في حال سوى فلذلك قدم عليه السلام ما تسكن به فورة الغضب الإلهي حتى يتخلص إلى طلب المغفرة والرحمة.
فقال: " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي " يريد عليه السلام - كما تدل عليه قرينة المقام - رب إن نفسي ونفوسهم جميعا قبض قدرتك، وطوع مشيئتك، لو شئت أهلكتهم وأنا فيهم قبل اليوم كما أهلكتهم اليوم وأبقيتني، فما ذا أقول لقومي إذا رجعت إليهم واتهموني بأنى قتلتهم، وحالهم ما أنت أعلم به؟ وهذا يبطل دعوتي ويحبط عملي.
ثم عد عليه السلام إهلاك السبعين إهلاكا له ولقومه فذكر أنهم سفهاء من قومه لا يعبأ بفعلهم فأخذ ربه برحمته حيث لم يكن من عادته تعالى أن يهلك قوما بفعل السفهاء منهم، وليس ذلك إلا موردا من موارد الامتحان العام الذي لا يزال جاريا على الانسان فيضل به كثير، ويهتدى به كثير، ولم تقابلها إلا بالصفح والستر.
وإذ كان بيدك أمر نفسي ونفوسنا تقدر على إهلاكنا متى شئت، وكانت هذه الواقعة غير بدع في مسير امتحانك العام الذي يعقب ضلال قوم وهداية آخرين، ولا ينتهى إلا إلى مشيئتك فأنت ولينا الذي يقوم بأمرك ومشيئتك تدبير أمورنا، ولا صنع لنا فيها فاقض فينا بالمغفرة والرحمة فإن من جملة صفاتك أنك خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا عيشة آمنة من العذاب وهى التي يستحسنها من أحاط به غمر السخط الإلهي، وفى الآخرة حسنة بالمغفرة والجنة.
وهذا ما ساقه عليه السلام في مسألته، وقد أخذتهم الرجفة وشملتهم البلية، فانظر كيف استعمل جميل أدب العبودية واسترحم ربه، ولم يزل يستوهب الرحمة، ويسكن بثنائه فورة السخط الإلهي حتى أجيب إلى ما لم يذكره من الحاجة بين ما ذكره، وهو إعادة حياتهم إليهم بعد الاهلاك، وأوحى إليه بما حكاه الله تعالى: " قال عذابي
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (بحث قرآني) سورة المائدة 5
2 (68 - 86) كلام في معنى التوحيد في القرآن (بحث قرآني) 86
3 (68 - 86) أيضا فيه 91
4 (68 - 86) أيضا فيه 103
5 (105) عرفان النفس في تسعة فصول 178
6 (106 - 109) في معنى الشهادة (بحث قرآني) 203
7 (106 - 109) في معنى العدالة (بحث قرآني) 204
8 (106 - 109) في اليمين (بحث قرآني) 208
9 (116 - 120) في الأدب في فصول: (بحث قرآني) 256
10 (116 - 120) 1 - معنى الأدب (بحث قرآني) 256
11 (116 - 120) 2 - اختلاف الآداب (بحث قرآني) 257
12 (116 - 120) 3 - معنى الأدب الإلهي (بحث قرآني) 257
13 (116 - 120) 4 - الأدب انما ينتج مع العمل (بحث قرآني) 258
14 (116 - 120) 5 - أدب النبوة العام اجمالا (بحث قرآني) 260
15 (116 - 120) 6 - أدب الأنبياء المحكي في القرآن تفصيلا (بحث قرآني) 264
16 (116 - 120) 7 - أدبهم مع ربهم بين الناس (بحث قرآني) 295
17 (116 - 120) 8 - أدب الأنبياء مع الناس (بحث قرآني) 297
18 (116 - 120) في سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآدابه خاصة (بحث روائي) 302
19 كلام في الرق والاستعباد في فصول: (بحث تاريخي واجتماعي) 338
20 (116 - 120) 1 - اعتبار العبودية لله سبحانه (بحث تاريخي واجتماعي) 339
21 (116 - 120) 2 - استعباد الانسان أسبابه (بحث تاريخي واجتماعي) 341
22 (116 - 120) 3 - نشوء الاستعباد في التاريخ (بحث تاريخي واجتماعي) 343
23 (116 - 120) 4 - ما الذي يراه الاسلام في ذلك؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 343
24 (116 - 120) 5 - ما هو السبيل إلى الاستعباد في الاسلام (بحث تاريخي واجتماعي) 346
25 (116 - 120) 6 - ما هي سيرة الاسلام في العبيد والإماء؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 346
26 (116 - 120) 7 - محصل البحث في الفصول السابقة (بحث تاريخي واجتماعي) 347
27 (116 - 120) 8 - سير الاستعباد في التاريخ (بحث تاريخي واجتماعي) 348
28 (116 - 120) 9 - نظرة في بنائهم (بحث تاريخي واجتماعي) 350
29 (116 - 120) 10 - ما مقدار التحديد؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 352
30 (116 - 120) 11 - إلى م آل امر الإلغاء؟ (بحث تاريخي واجتماعي) 353
31 (116 - 120) كلام في المجازاة والعفو في فصول: (بحث قرآني) 358
32 (116 - 120) 1 - ما معنى الجزاء؟ (بحث قرآني) 358
33 (116 - 120) 2 - هل يعد المطيع عبدا للمطاع (بحث قرآني) 361
34 (116 - 120) 3 - العفو والمغفرة (بحث قرآني) 361
35 (116 - 120) 4 - للعفو مراتب (بحث قرآني) 363
36 (116 - 120) 5 - هل المؤاخذة أو المغفرة تستلزم ذنبا؟ (بحث قرآني) 372
37 (116 - 120) 6 - رابطة العمل والجزاء (بحث قرآني) 374
38 (116 - 120) 7 - والعمل يؤدي الرابطة إلى النفس (بحث قرآني) 376