وارحمنا وأنت خير الراحمين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك " (الأعراف: 156).
يبتدئ الدعاء من قوله: " فاغفر لنا، الخ " غير أن الموقف لما كان موقفا صعبا قد أخذهم الغضب الإلهي والبطش الذي لا يقوم له شئ، وما مسألة المغفرة والرحمة من سيد ساخط قد هتكت حرمته وأهين على سؤدده كمسألة من هو في حال سوى فلذلك قدم عليه السلام ما تسكن به فورة الغضب الإلهي حتى يتخلص إلى طلب المغفرة والرحمة.
فقال: " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي " يريد عليه السلام - كما تدل عليه قرينة المقام - رب إن نفسي ونفوسهم جميعا قبض قدرتك، وطوع مشيئتك، لو شئت أهلكتهم وأنا فيهم قبل اليوم كما أهلكتهم اليوم وأبقيتني، فما ذا أقول لقومي إذا رجعت إليهم واتهموني بأنى قتلتهم، وحالهم ما أنت أعلم به؟ وهذا يبطل دعوتي ويحبط عملي.
ثم عد عليه السلام إهلاك السبعين إهلاكا له ولقومه فذكر أنهم سفهاء من قومه لا يعبأ بفعلهم فأخذ ربه برحمته حيث لم يكن من عادته تعالى أن يهلك قوما بفعل السفهاء منهم، وليس ذلك إلا موردا من موارد الامتحان العام الذي لا يزال جاريا على الانسان فيضل به كثير، ويهتدى به كثير، ولم تقابلها إلا بالصفح والستر.
وإذ كان بيدك أمر نفسي ونفوسنا تقدر على إهلاكنا متى شئت، وكانت هذه الواقعة غير بدع في مسير امتحانك العام الذي يعقب ضلال قوم وهداية آخرين، ولا ينتهى إلا إلى مشيئتك فأنت ولينا الذي يقوم بأمرك ومشيئتك تدبير أمورنا، ولا صنع لنا فيها فاقض فينا بالمغفرة والرحمة فإن من جملة صفاتك أنك خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا عيشة آمنة من العذاب وهى التي يستحسنها من أحاط به غمر السخط الإلهي، وفى الآخرة حسنة بالمغفرة والجنة.
وهذا ما ساقه عليه السلام في مسألته، وقد أخذتهم الرجفة وشملتهم البلية، فانظر كيف استعمل جميل أدب العبودية واسترحم ربه، ولم يزل يستوهب الرحمة، ويسكن بثنائه فورة السخط الإلهي حتى أجيب إلى ما لم يذكره من الحاجة بين ما ذكره، وهو إعادة حياتهم إليهم بعد الاهلاك، وأوحى إليه بما حكاه الله تعالى: " قال عذابي