بموسى أو به وبعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم، بين أحكامه فآمنوا ببعض ما في كتاب الله وكفروا ببعض، والمؤمنون من هذه الأمة آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.
فقد تأدبوا مع ربهم بالتسليم لما أحقه الله من المعارف الملقاة إليهم ثم تأدبوا بالتلبية لما ندب الله إليه من أحكامه إذ قالوا: " سمعنا وأطعنا " لا كقول اليهود:
" سمعنا وعصينا " ثم تأدبوا فعدوا أنفسهم عبادا مملوكين لربهم لا يملكون منه شيئا ولا يمتنون عليه بإيمانهم وطاعتهم فقالوا: " غفرانك ربنا " لا كما قالت اليهود:
" سيغفر لنا " وقالت: " إن الله فقير ونحن أغنياء " و قالت: " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " إلى غير ذلك من هفواتهم.
ثم قال الله سبحانه: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " فإن التكليف الإلهي يتبع بحسب طبعه الفطرة التي فطر الناس عليها، ومن المعلوم أن الفطرة التي هي نوع الخلقة لا تدعو إلا إلى ما جهزت به، وفي ذلك سعادة الحياة البتة.
نعم لو كان الامر على ضرب من الأهمية القاضية بزيادة الاهتمام به، أو خرج العبد المأمور عن حكم الفطرة وزي العبودية جاز بحكم آخر من قبل الفطرة أن يوجه المولى أو كل من بيده الامر إليه من الحكم ما هو خارج عن سعته المعتادة كأن يأمره بالاحتياط بمجرد الشك، واجتناب النسيان والخطأ إذا اشتد الاهتمام بالامر، نظير وجوب الاحتياط في الدماء والفروج والأموال في الشرع الاسلامي، أو يحمل عليه الكلفة ويزيد في التضييق عليه كلما زاد في اللجاج وألح في المسألة كما أخبر الله بنظائر ذلك في بني إسرائيل.
وكيف كان فقوله: " لا يكلف الله نفسا " إما ذيل كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون، وإنما قالوه تقدمة لقولهم: " ربنا لا تؤاخذنا، الخ " ليجرى مجرى الثناء عليه تعالى ودفعا لما يتوهم أن الله سبحانه يؤاخذ بما فوق الطاقة ويكلف بالحرجي من الحكم فيندفع بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وأن الذي سألوه بقولهم: " ربنا لا تؤاخذنا، الخ " إنما هو الاحكام بعناوين ثانوية ناشئة من قبل الحكم أو من قبل المكلفين بالعناد