والدعاء بالشر غير الدعاء بالخير حكما فإن الرحمة الإلهية سبقت غضبه وقد قال لموسى فيما أوحى إليه:: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ " (الأعراف:
156) فسعة الرحمة الإلهية تقضى بكراهية إصابة الشر والضر لعبد من عباده وإن كان ظالما، يشهد بذلك ما يفيض الله سبحانه من نعمه عليهم وسترهم بكرمه وأمره عباده بالحلم والتصبر عند جهالتهم وخرقهم اللهم إلا في إقامة حق لازم، أو عند اضطرار في مظلمة إذا كانوا على علم بأن مصلحة ملزمة كمصلحة الدين أو أهل الدين تقتضي ذلك.
على أن جهات الخير والسعادة كلما كانت ارق لطافة وأدق رتبة كانت أوقع عند النفوس بالفطرة التي فطر الله الناس عليها بخلاف جهات الشر والشقاء فإن الانسان بحسب طبعه يفر من الوقوف عليها، ويحتال أن لا يلتفت إلى أصلها فضلا عن تفاصيل خصوصياتها، وهذا المعنى يوجب اختلاف الدعاءين أعني الدعاء بالخير والدعاء بالشر من حيث الآداب.
فمن أدب الدعاء بالشر أن تذكر الأمور التي بعثت إلى الدعاء بالتكنية وخاصة في الأمور الشنيعة الفظيعة بخلاف الدعاء بالخير فإن التصريح بعوامل الدعاء فيه هو المطلوب، وقد راعاه عليه السلام في دعائه حيث قال: " ليضلوا عن سبيلك ولم يأت بتفاصيل ما كانت تأتى به آل فرعون من الفظائع.
ومن أدبه الاكثار من الاستغاثة والتضرع وقد راعاه فيما يقول: " ربنا " وتكرره مرات في دعائه على قصره.
ومن أدبه أن لا يقدم عليه إلا مع العلم بأنه على مصلحة الحق من دين أو أهله من دون أن يجرى على ظن أو تهمة، وقد كان عليه السلام على علم منه وقد قال الله فيه: " ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " (طه: 56) وكأنه لذلك أمره الله سبحانه وأخاه عند ما أخبرهما بالاستجابة بقوله: " فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " والله أعلم.
ومن دعاء موسى ما حكاه الله عنه في قوله: " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا