وسبيل نسيانه.
والأنبياء عليهم السلام إذ كانوا مهديين إلى الله لا يتبعون الهوى كانوا على ذكر من ربهم لا يقصدون بحركة أو سكون غيره تعالى، ولا يقرعون بحاجة من حوائج حياتهم باب غيره من الأسباب بمعنى أنهم إذا تعلقوا بسبب لم ينسهم ذلك ربهم وأن الامر إليه تعالى لا انهم ينفون الأسباب نفيا مطلقا لا يبقى مع ذلك لها وجود في التصور مطلقا فإن ذلك مما لا مطمع فيه، ولا أنهم يرون ذوات الأشياء وينفون عنها وصفة السببية فإن في ذلك خروجا عن صراط الفطرة الانسانية بل التعلق به أن لا يرى لغيره استقلالا، ويضع كل شئ موضعه الذي وضعه الله فيه.
وإذ كان حالهم عليهم السلام ما ذكرنا من تعلقهم بالله حق التعلق تمكن منهم هذا الأدب الإلهي ان يراقبوا مقام ربهم ويراعوا جانب ربوبيته فلا يقصدوا شيئا إلا الله، ولا يتركوا شيئا إلا لله، ولا يتعلقوا بسبب الا وهم متعلقون بربهم قبله ومعه وبعده، فهو غايتهم على كل حال.
فقوله عليه السلام: " إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله " يريد به ان ذكرى المستمر ليوسف وأسفى عليه ليس على حد ما يلغو أحدكم إذا اصابته مصيبة ففقد نعمة من نعم الله فيذكرها لمن لا يملك منه نفعا ولا ضرا بجهل منه، وانما ذلك شكوى منى إلى لله فيما دخلني من فقد يوسف، وليس ذلك مسألة منى في أمر لا يكون فإني اعلم من الله ما لا تعلمون.
ومن ذلك ما حكاه الله عن يوسف الصديق حين هددته امرأة العزيز بالسجن ان لم يفعل ما كانت تأمره به: " قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين " (يوسف: 33).
يذكر عليه السلام لربه ان امره يدور عندهن في موقفه ذاك بين السجن وبين إجابتهن إلى ما يسألنه، وأنه بعلمه الذي أكرمه الله به، وهو المحكى عنه في قوله تعالى: " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما " (يوسف: 22) يختار السجن على إجابتهن غير أن الأسباب منضودة على طبق ما يرجونه منه قوية غالبة فهى تهدده بالجهل بمقام ربه وإبطال ما عنده من العلم بالله، ولا حكم في ذلك إلا له تعالى كما قال لصاحبه في السجن: