كما في ما رواه ابن هشام في السيرة أن أنس بن النضر عم أنس بن مالك انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يحبسكم قالوا قتل رسول الله قال فما ذا تصنعون بالحياة بعده؟ فموتوا على ما مات عليه رسول الله ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وبالجملة فمعنى هذا الانسلال والالقاء بالأيدي أن إيمانهم إنما كان قائما بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يبقى ببقائه ويزول بموته وهو إرادة ثواب الدنيا بالايمان وهذا هو الذي عاتبهم الله عليه ويؤيد هذا المعنى قوله بعده وسيجزى الله الشاكرين فإن الله سبحانه كرر هذه الجملة في الآية التالية بعد قوله ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها فافهم ذلك.
وقوله وسيجزى الله الشاكرين بمنزلة الاستثناء مما قبله على ما يعطيه السياق وهو الدليل على أن القوم كان فيهم من لم يظهر منه هذا الانقلاب أو ما يشعر به كالانسلال والتولي وهم الشاكرون.
وحقيقة الشكر إظهار النعمة كما أن الكفر الذي يقابله هو إخفاؤها والستر عليها وإظهار النعمة هو استعمالها في محلها الذي أراده منعمها وذكر المنعم بها لسانا وهو الثناء وقلبا من غير نسيان فشكره تعالى على نعمة من نعمه ان يذكر عند استعمالها ويوضع النعمة في الموضع الذي أراده منها ولا يتعدى ذلك وإن من شئ إلا وهو نعمة من نعمه تعالى ولا يريد بنعمة من نعمه إلا أن تستعمل في سبيل عبادته قال تعالى وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار: إبراهيم - 34 فشكره على نعمته أن يطاع فيها ويذكر مقام ربوبيته عندها.
وعلى هذا فشكره المطلق من غير تقييد ذكره تعالى من غير نسيان وإطاعته من غير معصية فمعنى قوله واشكروا لي ولا تكفرون: البقرة - 152 اذكروني ذكرا لا يخالطه نسيان وأطيعوا أمري إطاعة لا يشوبها عصيان ولا يصغي إلى قول من يقول إنه أمر بما لا يطاق فإنه ناش من قلة التدبر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبودية.
وقد عرفت فيما تقدم من الكتاب أن إطلاق الفعل لا يدل إلا على تلبس ما