العزيمة والاهتمام على إقامة الدين وقتال أعدائه والحزن خلاف الفرح وإنما يعرض الانسان بفقده شيئا يملكه مما يحبه أو أمرا يقدر نفسه مالكة له.
وفي قوله تعالى وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله دلالة على أن سبب وهنهم وحزنهم ما شاهدوه من إصابة القرح إياهم واستعلاء الكفار عليهم فإن المشركين وإن لم ينالوا كل الغلبة والظفر على المؤمنين ولم تختتم الوقعة على الانهزام التام من المؤمنين لكن الذي أصاب المؤمنين كان أشد وأوجع وهو شهادة سبعين من سراتهم وشجعانهم ووقوع ما وقع في عقر دارهم فكان هذا سبب وهنهم وحزنهم ووقوع قوله وأنتم الأعلون الخ موقع التعليل هو الوجه في كون هذين النهيين نهيا عن وهن وحزن واقعين لا مقدرين ولا متوقعين.
وقد اطلق قوله الأعلون من غير تقييد ولكن اشترط بالايمان فمحصل المعنى لا ينبغي لكم أن تهنوا في عزمكم ولا أن تحزنوا لما فاتكم من الظفر على أعدائكم والانتصار منهم إن كان فيكم الايمان فإن الايمان أمر يستصحب علاءكم البتة إذ هو يلازم التقوى والصبر وفيهما ملاك الفتح والظفر وأما القرح الذي أصابكم فلستم بمتفردين فيه بل القوم وهم المشركون قد أصابهم مثله فلم يسبقوكم في شئ حتى يوجب ذلك وهنكم وحزنكم.
واشتراط علوهم بالايمان مع كون الخطاب للذين آمنوا إنما هو للإشارة إلى أن الجماعة وإن كانوا لا يفقدون الايمان إلا أنهم غير عاملين بما يقتضيه من الصفات كالصبر والتقوى وإلا لاثر أثره.
وهذا حال كل جماعة مختلفة الحال في الايمان فيهم المؤمن حقا والضعيف إيمانا والمريض قلبا ويكون مثل هذا الكلام تنشيطا لنفس مؤمنهم وعظة لضعيفهم وعتابا وتأنيبا لمريضهم.
قوله تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله القرح بفتح القاف الأثر من الجراحة من شئ يصيبه من خارج والقرح بالضم أثرها من داخل كالبثرة ونحوها قاله الراغب وكأنه كناية عما أصابهم يوم أحد بفرض مجموع المسلمين شخصا واحدا أصابه جراحة من عدوه وهو قتل من قتل منهم وجراحة من جرح