الله لا مثل من أنفق وهو ظاهر.
وهذا الكلام وإن كان وجيها في نفسه لكن التدبر يعطي خلاف ذلك فإن جل الأمثال المضروبة في القرآن حالها هذا الحال فهو صناعة شائعة في القرآن كقوله تعالى:
" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا " البقرة - 171، فإنه مثل من يدعو الكفار لامثل الكفار، وقوله تعالى: إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه الآية " يونس - 24، وقوله تعالى: " مثل نوره كمشكاة " النور - 35، وقوله تعالى في الآيات التالية لهذه الآية: فمثله كمثل صفوان الآية: وقوله تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة الآية إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.
وهذه الأمثال المضروبة في الآيات تشترك جميعا في أنها اقتصر فيها على مادة التمثيل الذي يتقوم بها المثل مع الاعراض عن باقي أجزاء الكلام للايجاز.
توضيحه: أن المثل في الحقيقة قصة محققة أو مفروضة مشابهة لاخرى في جهاتها يؤتي بها لينتقل ذهن المخاطب من تصورها إلى كمال تصور الممثل كقولهم: لا ناقة لي ولا جمل، وقولهم: في الصيف ضيعت اللبن من الأمثال التي لها قصص محققة يقصد بالتمثيل تذكر السامع لها وتطبيقها لمورد الكلام للاستيضاح، ولذا قيل: إن الأمثال لا تتغير، وكقولنا: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل من زرع حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مأة حبة، وهي قصة مفروضة خيالية.
والمعنى الذي يشتمل عليه المثل ويكون هو الميزان الذي يوزن به حال الممثل ربما كان تمام القصة التي هي المثل كما في قوله تعالى: " ومثل كلمه خبيثة كشجرة خبيثة " الآية إبراهيم - 26، وقوله تعالى: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " الجمعة - 5، وربما كان بعض القصة مما يتقوم به غرض التمثيل وهو الذي نسميه مادة التمثيل، وإنما جئ بالبعض الآخر لتتميم القصة كما في المثال الأخير (مثال الانفاق والحبة) فإن مادة التمثيل إنما هي الحبة المنبتة لسبعمأة حبة وإنما ضممنا إليها الذي زرع لتتميم القصة.
وما كان من أمثال القرآن مادة التمثيل فيه تمام المثل فإنه وضع على ما هو عليه،