واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون - 281.
(بيان) الآيات مسوقة لتأكيد حرمة الربا والتشديد على المرابين وليست مسوقة للتشريع الابتدائي، كيف ولسانها غير لسان التشريع: وانما الذي يصلح لهذا الشأن قوله تعالى في سورة آل عمران: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران - 130، نعم تشتمل هذه الآيات على مثل قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، وسياق الآية يدل على أن المسلمين ما كانوا ينتهون عن النهى السابق عن الربا، بل كانوا يتداولونها بينهم بعض التداول فأمرهم الله بالكف عن ذلك، وترك ما للغرماء في ذمة المدينين من الربا، ومن هنا يظهر معنى قوله: فمن جائه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله الآية على ما سيجئ بيانه.
وقد تقدم على ما في سورة آل عمران من النهى قوله تعالى في سورة الروم وهي مكية: " وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " الروم - 39، ومن هنا يظهر ان الربا كان أمرا مرغوبا عنه من أوائل عهد رسول الله قبل الهجرة حتى تم أمر النهى عنه في سورة آل عمران، ثم اشتد أمره في سورة البقرة بهذه الآيات السبع التي يدل سياقها على تقدم نزول النهى عليها، ومن هنا يظهر: ان هذه الآيات إنما نزلت بعد سورة آل عمران.
على أن حرمة الربا في مذهب اليهود على ما يذكره الله تعالى في قوله: " وأخذهم الربا وقد نهوا عنه " النساء - 161، ويشعر به قوله: - حكاية عنهم - " ليس علينا في الأميين سبيل " آل عمران - 75، مع تصديق القرآن لكتابهم وعدم نسخ ظاهر كانت تدل على حرمته في الاسلام.
والآيات أعني آيات الربا لا تخلو عن ارتباط بما قبلها من آيات الانفاق في سبيل الله كما يشير إليه قوله تعالى في ضمنها: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقوله: وان تصدقوا خير لكم، وكذا ما وقع من ذكره في سورة الروم وفي سورة آل عمران