اثم غير أنه لم يبين ان الاثم ما هو وان في الخمر اثما كبيرا.
ولعل ذلك انما كان نوعا من الارفاق والتسهيل لما في السكوت عن البيان من الاغماض كما يشعر به أيضا قوله تعالى: " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا " النحل 67، والآية أيضا مكية، وكأن الناس لم يكونوا متنبهين بما فيه من الحرمة الكبيرة حتى نزلت قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " النساء - 43، والآية مدنية وهي تمنع الناس بعض المنع عن الشرب والسكر في أفضل الحالات وفي أفضل الأماكن وهي الصلاة في المسجد.
والاعتبار وسياق الآية الشريفة يأبى ان تنزل بعد آية البقرة وآيتي المائدة فإنهما تدلان على النهي المطلق، ولا معنى للنهي الخاص بعد ورود النهى المطلق، على أنه ينافي التدريج المفهوم من هذه الآيات فإن التدريج سلوك من الأسهل إلى الاشق لا بالعكس.
ثم نزلت آية البقرة أعني قوله تعالى: " ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " وهذه الآية بعد آية النساء كما مر بيانه وتشتمل الآية على التحريم لدلالتها القطعية على الاثم في الخمر " فيهما إثم كبير " وتقدم نزول آية الأعراف المكية الصريحة في تحريم الاثم.
ومن هنا يظهر: فساد ما ذكره بعض المفسرين: ان آية البقرة ما كانت صريحة في الحرمة فإن قوله تعالى: " قل فيهما إثم كبير " لا يدل على أزيد من أن فيه إثما والاثم هو الضرر، وتحريم كل ضار لا يدل على تحريم ما فيه مضرة من جهة ومنفعة من جهة أخرى، ولذلك كانت هذه الآية موضعا لاجتهاد الصحابة، فترك لها الخمر بعضهم وأصر على شربها آخرون، كأنهم رأوا انهم يتيسر لهم ان ينتفعوا بها مع اجتناب ضررها فكان ذلك تمهيدا للقطع بتحريمها فنزل قوله تعالى: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون ".
وجه الفساد أما أولا: فإنه أخذ الاثم بمعنى الضرر مطلقا وليس الاثم هو الضرر ومجرد مقابلته في الكلام مع المنفعة لا يستدعي كونه بمعنى الضرر المقابل للنفع، وكيف يمكن أخذ الاثم بمعنى الضرر في قوله تعالى: " ومن يشرك بالله فقد افترى إثما