كبير ومنافع للناس، قد مر الكلام في معنى الاثم، واما الكبر فهو في الاحجام بمنزلة الكثرة في الاعداد، والكبر يقابل الصغر كما أن الكثرة تقابل القلة، فهما وصفان اضافيان بمعنى ان الجسم أو الحجم يكون كبيرا بالنسبة إلى آخر أصغر منه وهو بعينه صغير بالنسبة إلى آخر أكبر منه، ولولا المقايسة والإضافة لم يكن كبر ولا صغر كما لا يكون كثرة ولا قلة، ويشبه ان يكون أول ما تنبه الناس لمعنى الكبر انما تنبهوا له في الاحجام التي هي من الكميات المتصلة وهي جسمانية، ثم انتقلوا من الصور إلى المعاني فاستطردوا معنى الكبر والصغر فيها، قال تعالى: " إنها لاحدى الكبر " المدثر - 35، وقال تعالى: " كبرت كلمة تخرج من أفواههم " الكهف - 5، وقال تعالى: " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " الشورى - 13، والعظم في معناه كالكبر، غير أن الظاهر أن العظمة مأخوذة من العظم الذي هو أحد اجزاء البدن من الحيوان فإن كبر جسم الحيوان كان راجعا إلى كبر العظام المركبة المؤلفة في داخله فاستعير العظم للكبر ثم تأصل فاشتق منه كالمواد الأصلية.
والنفع خلاف الضرر ويطلقان على الأمور المطلوبة لغيرها أو المكروهة لغيرها كما أن الخير والشر يطلقان على الأمور المطلوبة لذاتها أو المكروهة لذاتها، والمراد بالمنافع فيهما ما يقصده الناس بهما من الاستفادات المالية بالبيع والشرى والعمل والتفكه والتلهي، ولما قوبل ثانيا بين الاثم والمنافع بالكبر أوجب ذلك إفراد المنافع والغاء جهة الكثرة فيها فإن العدد لا تأثير له في الكبر فقيل: واثمهما أكبر من نفعهما ولم يقل من منافعهما.
قوله تعالى: ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو، العفو على ما ذكره الراغب قصد الشئ لتناوله ثم أوجب لحوق العنايات المختلفة الكلامية به مجيئه لمعاني مختلفة، كالعفو بمعنى المغفرة والعفو بمعنى إمحاء الأثر والعفو بمعنى التوسط في الانفاق، وهذا هو المقصود في المقام، والله العالم.
والكلام في مطابقة الجواب للسؤال في هذه الآية نظير ما مر في قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين الآية.
قوله تعالى: يبين الله لكم إلى قوله: في الدنيا والآخرة، الظرف أعني قوله