تعالى: في الدنيا والآخرة، متعلق بقوله: تتفكرون وليس بظرف له، والمعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدارين وما يرتبط بكم من حقيقتهما، وان الدنيا دار خلقها الله لكم لتحيوا فيها وتكسبوا ما ينفعكم في مقركم وهو الدار الآخرة التي ترجعون فيه إلى ربكم فيجازيكم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا.
وفي الآية أولا: حث على البحث عن حقائق الوجود ومعارف المبدء والمعاد وأسرار الطبيعة، والتفكر في طبيعة الاجتماع ونواميس الأخلاق وقوانين الحياة الفردية والاجتماعية، وبالجملة جميع العلوم الباحثة عن المبدأ والمعاد وما بينهما المرتبطة بسعادة الانسان وشقاوته.
وثانيا: ان القرآن وان كان يدعو إلى الإطاعة المطلقة لله ورسوله من غير أي شرط وقيد، غير أنه لا يرضي ان يؤخذ الاحكام والمعارف التي يعطيها على العمى والجمود المحض من غير تفكر وتعقل يكشف عن حقيقة الامر، وتنور يستضاء به الطريق في هذا السير والسري.
وكأن المراد بالتبيين هو الكشف عن علل الاحكام والقوانين، وايضاح أصول المعارف والعلوم.
قوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير، في الآية اشعار بل دلالة على نوع من التخفيف والتسهيل حيث أجازت المخالطة لليتامى، ثم قيل ولو شاء الله لأعنتكم، وهذا يكشف عن تشديد سابق من الله تعالى في أمر اليتامى يوجب التشويش والاضطراب في قلوب المسلمين حتى دعاهم على السؤال عن أمر اليتامى، والامر على ذلك، فإن ههنا آيات شديدة اللحن في أمر اليتامى كقوله تعالى " ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " النساء - 10 وقوله تعالى: " وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا " النساء - 2، فالظاهر أن الآية نازلة بعد آيات سورة النساء، وبذلك يتأيد ما سننقله من سبب نزول الآية في البحث الروائي، وفي قوله تعالى: قل إصلاح لهم خير، حيث نكر الاصلاح، دلالة على أن المرضي عند الله سبحانه نوع من الاصلاح لا كل إصلاح ولو كان إصلاحا في ظاهر الامر فقط،