أقول: وفي الرواية إشعار بأن التقدير يعم التشريع والتكوين وإنما يختلف باختلاف الاعتبار، واما كون عسى بمعنى الوجوب فلا دلالة لها عليه، وقد مر ان عسى في القرآن بمعناه اللغوي وهو الترجي فلا عبرة بما نقل عن بعض المفسرين: كل شئ في القرآن عسى فإن عسى من الله واجب! واعجب منه ما نقل عن بعض آخر:
ان كل شئ من القرآن عسى فهو واجب إلا حرفين: حرف في التحريم: عسى ربه إن طلقكن، وفي بني إسرائيل عسى ربكم ان يرحمكم.
وفي الدر المنثور أيضا: اخرج ابن جرير من طريق السدي: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية وفيهم سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن صفوان السلمي حليف لبنى نوفل، وسهل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة. وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب، وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره ان لا يقرأه حتى ينزل ملل فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب فإذا فيه ان سر حتى تنزل بطن نخلة فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، أضلا راحلة لهما، وسار ابن جحش فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة بن عثمان، وعمرو الحضرمي فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة وانفلت المغيرة، وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد الله فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال، قال المشركون: محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام فأنزل الله: " يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير لا يحل "، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عنه محمدا، والفتنة وهي الشرك أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام فذلك قوله: وصد عن سبيل الله وكفر به.
أقول: والروايات في هذا المعنى وما يقرب منه كثيرة من طرقهم، وروي هذا المعنى أيضا في المجمع، وفي بعض الروايات: ان السرية كانت ثمانية تاسعهم أميرهم، وفي الدر المنثور أيضا: أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن جحش إلى