الاعراض والنفوس والأموال، فلا عاصم من سكران لا يدري ما يقول ولا يشعر بما يفعل، وقل ما يتفق جناية من هذه الجنايات التي قد ملأت الدنيا ونغصت عيشة الانسان إلا وللخمر فيها صنع مستقيما أو غير مستقيم.
وأما مضرته في الادراك وسلبه العقل وتصرفه الغير المنتظم في أفكار الانسان وتغييره مجرى الادراك حين السكر وبعد الصحو فمما لا ينكره منكر وذلك أعظم ما فيه من الاثم والفساد، ومنه ينشأ جميع المفاسد الاخر.
والشريعة الاسلامية كما مرت إليه الإشارة وضعت أساس أحكامها على التحفظ على العقل السليم، ونهت عن الفعل المبطل لعمل العقل أشد النهى كالخمر، والميسر، والغش، والكذب، وغير ذلك، ومن أشد الافعال المبطلة لحكومة العقل على سلامة هو شرب الخمر من بين الافعال وقول الكذب والزور من بين الأقوال.
فهذه الأعمال أعني: الأعمال المبطلة لحكومة العقل وعلى رأسها السياسات المبتنية على السكر والكذب هي التي تهدد الانسانية، وتهدم بنيان السعادة ولا تأتي بثمرة عامة الا وهي أمر من سابقتها، وكلما زاد الحمل ثقلا وأعجز حامله زيد في الثقل رجاء المقدرة، فخاب السعي، وخسر العمل، ولو لم يكن لهذه المحجة البيضاء والشريعة الغراء الا البناء على العقل والمنع عما يفسده من اتباع الهوى لكفاها فخرا، وللكلام تتمة سنتعرض لها في سورة المائدة انشاء الله.
ولم يزل الناس بقريحتهم الحيوانية يميلون إلى لذائذ الشهوة فيشبع بينهم الأعمال الشهوانية أسرع من شيوع الحق والحقيقة، وانعقدت العادات على تناولها وشق تركها والجرى على نواميس السعادة الانسانية، ولذلك ان الله سبحانه شرع فيهم ما شرع من الاحكام على سبيل التدريج، وكلفهم بالرفق والامهال.
ومن جملة تلك العادات الشائعة السيئة شرب الخمر فقد أخذ في تحريمه بالتدريج على ما يعطيه التدبر في الآيات المربوطة به فقد نزلت أربع مرات:
احديها: قوله تعالى: " قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق " الأعراف - 33، والآية مكية حرم فيها الاثم صريحا، وفي الخمر