إلى من عادته التزهيد، وهو الله تعالى، وأي تزهيد أعظم من قوله سبحانه عقيب هذا الكلام: (ذلك متاع الحياة الدنيا) وقوله تعالى في موضع آخر: ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ (١)، فخبر سبحانه أن الحياة الدنيا ظل زائل، وسنان مائل، وخضاب ناصل.
٣ - وقول آخر. قال بعضهم: خلق الله هذه الأشياء إذ خلقها، ليدل بما فيها من النعيم الفاني على ما في الآخرة من النعيم الباقي، وجعل طباع الخلق منازعة إليها وراغبة فيها، فهي مزينة من هذا الوجه الذي ذكرناه، وإنما تزيينها المذموم هو تحسين الاقدام عليها من الوجه المحظور، والله سبحانه قد أمر عباده بالكف عنها والترك لها، لينالوا بترك الاقدام على شهواتهم العاجلة ما وعدهم به من النعم الآجلة، والنعيم الدائم الذي لا شوب فيه ولا انقطاع له، كما قال تعالى: ﴿إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا﴾ (٢)، وهذا ناطق بالغرض الذي ذكرناه، وكذلك خلق سبحانه المصائب والآلام في الدنيا، ليدل بها على ما في الآخرة من مقادير العقاب ومآلم العذاب، فيكون ذلك زاجرا عن مواقعة الخطيئات وارتكاب المحظورات، وعلى هذا فسر قوله سبحانه في صفة النار: ﴿نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين﴾ (3)، فكأنه سبحانه قال: إنما خلقنا النار في الدنيا وعرفنا أليم وقعها، ومضض لفحها، لنذكر بذلك نار الآخرة، التي أوعدنا بها الكفار والعصاة، فيكون الزجر أبلغ. والانزجار