على أن المخاطب به الأمة دون النبي صلى الله عليه وآله، قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن... الآية) [2]، فوحد ثم جمع، ليعلم أن الخطاب للأمة، وإنما يبتدئ تعالى بخطاب النبي قبلها، إذ كان المؤدي عنه إليها، والسفير بينه وبينها، والشهيد له عليها، واللسان الناطق عنها، ولان مثل هذا القول لا يلتبس على العقلاء، لأنهم إذا رجعوا إلى أدلة العقول علموا أن الأنبياء لا يجوز عليهم الامتراء في الدين، والشك بعد اليقين، فيصرفون الخطاب إلى منصرفه، ويحملونه على الوجه الأليق به، وهو: أن يكون خطابا للأمة التي يجوز عليها المرية، ويدخل عليها الوهن والنقيصة، ألا ترى أنهم لما سمعوا قوله في السورة التي يذكر فيها الزخرف مخاطبا للنبي صلى الله عليه وآله:
(وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدن - 45)، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وآله لا يمكنه مسألة من تقدم من الرسل، وقد عمهم الله برضوانه ونقلهم إلى جنانه - (2) تأولوا ذلك على ما يسوغ أن يكون مرادا، فقالوا: معنى ذلك: فاستعلم ما في كتب الأنبياء قبلك، وتعرف ما خلد في أساطيرهم وحفظ من أحكامهم وشرائعهم، فإنك تجد فيها ما يدلك على أنه لا إله مع الله تعالى!، فجعلوا استقراء ما في كتب الأنبياء كمسألة الأنبياء، لأنه عليه السلام لو أمكن أن يسألهم عن ذلك لما أجابوا إلا بما بقوا في كتبهم، وخلدوا في قصصهم وأساطيرهم التي حفظها ثقات أممهم، ونقلها ديانو قومهم.