وكرم الأحساب سياج يمنعه من تسرب الأفكار إليه، والوقوف على برض من عد من غرر الخصال التي تفرد بها. وكيف لي مع هذا أن أقف على مساويه - لو كانت - التي أحرص على إبدائها! ومن لي أن تنفتح أمامي الأبواب التي يتطرق القدح منها إليه! ولئن كنت لا أعتمد إلا أن أفهم ويفهم القارئ من هو (الشريف الرضي)، بلا أن أتعرض لمدحه أو ذمه، لان المدح والذم ليسا مما يتناوله فن التأريخ، فلست في سعة من تركهما، إذا كان المترجم مستأثرا بعمل يستوجب الاطراء، أو مستبدا بما يستدعي المؤاخذة، وإذا استطعت أن استخلص أفكاري من مصائد عظمة الشريف، فسوف أقرر حياته كما هي بلا إطراء ولا إزراء.
أترجم الشريف أو أفهرس أدوار حياته بجميع مناحيها، في صحيفة من صحائف أيامي الأخيرة، وليس بين يدي من معين سوى ديوان شعره الضخم، وعدة نزرة من المصادر، محاطة بذكريات لقدمها وتكررها لم تذهب ذهاب ما هو أهم منها وأنفس، لأني لا أريد أن أعتمد في غالب ما أتوخاه فيها على أقاصيص السيرة وأقاويل التأريخ الفارط التي هي روايات فقط، وخالية عن كل فقه تأريخي، والروايات أجدر أن يتطرق إليها الشك، ولا يعتمد منها إلا على ما يشهد ذلك الديوان بصدقه، وإلا ما يتفق منها ونتائجه بظاهره أو قرائن أحوال تتصل به. إذا فهو أوفر المصادر نفعا، وأشدها إلى تحقيق الفقه التأريخي قربا.
ولست بناس مع هذا أن الشعر خيال لا ظل له، ولا يجدي التعمق فيه في استنباط أي قضية مجهولة، كما أني لا أغفل عن أن فهم حياة أي