منه دعاء إلى الضلال ولا إلى ضده فوقع (1) الضلال عند دعائه. قال سبحانه: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيرا من الناس... الآية) (2)، فأضاف تعالى ضلال القوم إلى الأصنام، إذ جعلوها سببا لضلالتهم، وهي جماد لا يكون منها صرف عن طاعة ولا دعاء إلى معصية.
ومثل هذا من كلامهم: إن الرجل يشغف بالمرأة، فإذا عظم وجده بها وقلقه من أجلها، قال لها: قد أسهرت ليلي، وأمرضت قلبي، وكدرت صفاء عيشي، ولعلها لم تعلم بشئ من أمره، ولم تشعر بأوقات قلقه وسهره، ولكنه لما اعتقد أنها سبب لذلك - وإن لم تفعله - جاز أن ينسب إليها فعله.
وآكد من ذلك أنها لو شعرت بما يقاسيه فيها ويعانيه من حبها - وكانت ذات عفة تحصنها وتحسم المطامع عنها، فزجرته عن نفسها وخوفته عواقب الاشتغال بها، فكان ذلك سببا لزيادة كلفه وتضاعف شغفه، فانحلت قوى أمره واسترخى وتر صبره وطال بها سهر ليله وتشاغل عن مصالح نفسه - كان جائزا أن ينسب ذلك إليها، فيقول: إنها أسهرت ليلي وأطالت فكري، واقتطعتني عن مصالحي، وذهبت بي عن مراشدي، وهي لم تعظه إلا ليتعظ، ولم تزجره إلا ليزدجر، وإنما