فيؤدي ذلك إلى زيغ قلوبنا بعد الهداية كما تقدم بيانه (1) في قوله سبحانه (... ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا...)، وإما أن يكون المراد بذلك ألا يعدل بهم عن زيادة الهدى والألطاف في هذا الباب.
10 - والذي أقوله في ذلك: إن من أصلنا رد المتشابه من الآي إلى المحكم منها، كما بينا أولا، وقد ورد في القرآن من ذكر الإزاغة ما بعضه محكم وبعضه متشابه، فيجب رد متشابهه إلى محكمه - على الأصل الذي قررناه -، فالمتشابه من ذلك قوله سبحانه ههنا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، وهذا لا يجوز أن يكون محمولا على ظاهره، لأنه يقودنا إلى أن نقول: إن الله سبحانه يضل عن الايمان، وقد قامت الدلائل على أنه سبحانه لا يفعل ذلك لأنه قبيح، وهو غني عنه، وعالم باستغنائه عنه، ولأنه تعالى أمرنا بالايمان وحببنا إليه، ونهانا عن الكفر وحذرنا منه، فوجب ألا يضلنا عما أمرنا به، ولا يقودنا إلى ما نهانا عنه، وإذا لم يكن ذلك محمولا على ظاهره فاحتجنا إلى تأويله على الوجوه التي قدمنا ذكرها، فهو متشابه، لان من صفة المتشابه ألا يقتبس علمه من ظاهره وفحواه، فوجب رده إلى ما ورد من المحكم في هذا المعنى، وهو قوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).
فعلمنا ان الزيغ الأول كان منهم، وأن الزيغ الثاني كان من الله سبحانه على سبيل العقوبة لهم، وعلمنا أيضا أن الزيغ الأول غير الزيغ الثاني، وأن الأول