ولعبوا بها، ونسوا ما وراءها، فإياك يا بني أن تكون مثل من قد شابته بكثرة عيوبها! أي بني! إنك إن تزهد فيما قد زهدتك فيه من أمر الدنيا وتعرض نفسك عنها فهي أهل ذلك، فان كنت غير قابل نصحي إنك منها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، فإنك في سبيل من قد كان قبلك، فأجمل في الطلب، واعرف سبيل المكتسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب، وأكرم نفسك عن كل دنية وإن سافتك، إياك أن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا وقد جعلك الله به حرا! وما منفعة خير لا يدرك باليسير، ويسير لا ينال إلا بالعسير، وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة!
وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أعظم وأكرم وإن كان كل من الله - ولله المثل الاعلى! واعلم أن لك في يسير مما تطلب فتنال من الملوك افتخارا، وبيع عرضك ودينك عليك عار، فاقتصد في أمرك تحمد معقبة عقلك، إنك لست بائعا شيئا من عرضك ودينك إلا بثمن، والمغبون من حرم نصيبه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك، وتول عما تولى عنك، فان أنت لم تفعل