أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق الآخرة، وأنك طريدة الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، فاحذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، وأعمال مردية فتقع في ندامة الأبد وحسرة لا تنفد، فتفقد دينك لنفسك، فدينك لحمك ودمك، ولا ينقدك غيره، اي بني!
أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه. وتقضى بعد الموت إليه، واجعله نصب عينيك حتى يأتيك وقد أخذت له حذرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، وأكثر ذكر الآخرة وكثرة نعيمها وحبورها وسرورها ودوامها وكثرة صنوف لذاتها وقلة آفاتها إذا سلمت، وفكر في ألوان عذابها وشدة غمومها وأصناف نكالها، إن أنت تيقنت فان ذلك يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة، ويصغر عندك زينة الدنيا وغرورها وزهرتها فقد نبأك الله عنها وبين أمرها، وكشف عن مساويها، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها ككلاب عاوية، وسباع ضارية، نهر بعضهم إلى بعض، ويقهر عزيزها ذليلها، وكثيرها قليلها، قد أضلت أهلها عن قصد السبيل، وسلكت بهم طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن مهج الصواب، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في فتنتها، واتخذوها ريا فلعبت بهم