لحمده (على سوابغ النعماء) نوامها واسعاتها، والنعماء مفرد كالنعمة وبمعناها (وترادف الآلاء)، وهي جمع (آلى) بمعنى النعمة، ولم يظهر لي فرق بينهما وإن قيل باختصاص الآلاء بالنعم الباطنة، ومع الترادف لا اتحاد بين القرينتين، فإنه حمده على نفس النعم، ثم على ترادفها.
ثم ذكر أعاظم النعم المترادفة المشعرة، بما يسبقها من نعم الوجود، والعقل، والفهم، والقدرة، والقوة (1)، فإن ذكر النعم من الشكر عليها، وفيه تذكيرا للغير، وحثا له على الشكر، فقال: (المتفضل) يحتمل الوصف والقطع، أي: هو المتفضل، أو أعينه أو أخصه (بإرسال الأنبياء لارشاد الدهماء) أي جماعة الناس أو الثقلين إلى ما لا يبلغه عقولهم، أو ضلوا عنه (والمتطول بنصب الأوصياء) للأنبياء (لتكميل الأولياء) أي [أوليائه أو] (2) أولياء الأنبياء أو الأوصياء، فإنهم أخذوا أصل الدين من الأنبياء، وتكلمهم الأوصياء بالتفهيم والتفريع، وتعليم ما لم يأخذوه منهم (3).
وقد سئل، عن ذكر التفضل والتطول مع وجوبهما على الله عندنا (4)، فأجاب: بأنهما يتوقفان على الخلق والاقدار وتكميل العقول، لينتفعوا بهما، ويستأهلوا للنعيم المقيم ورفع الدرجات، وكل ذلك تفضل منه تعالى، وتطول فهما (5) كذلك، وإن وجبا بعد ذلك، فكأنه قيل: إنه تعالى تفضل بالتأهيل لارسال الرسل إليهم، ونصب الأوصياء لهم.
ويمكن الجواب: بأن الارسال إنما يجب للتعريض للثواب، والتحذير من العقاب، وكان من الجائز أن يهمل الله عباده، ويذرهم كالأنعام وإن كانوا عقلا كاملين، ولا يثيبهم (6) بالجنان، فتعريضهم لذلك وتشريفهم بالخطاب والتكليف